متى نعلن الحرب على «إسلام داعش»؟

أحد, 2014-11-16 01:04
خالد الشامي

اعاد استطلاع اجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومقره الدوحة، التذكير بأن تنظيم «داعش» دق ناقوس الخطر، اذ كشف تمتع التنظيم بدعم 11 في المئة من المواطنين العرب، وهؤلاء يقدرون بنحو اربعين مليونا، فيما اعتبرت نسبة 85٪ من المشاركين أن موقفهم من هذا التنظيم سلبي. بينما رأى 13٪ أن شعبية التنظيم بين مؤيديه وأنصاره تعود لالتزامه بالمبادئ الإسلامية، في حين أن 55٪ من المجيبين ذكروا أسبابا أخرى لرواج هذا التنظيم بين مؤيديه، مثل إنجازاته العسكرية، أو استعداده لمواجهة الغربوإيران، أو معاداته للنظامين السوري والعراقي، وادعائه الدفاع عن السنة المظلومين في المشرق العربي.
وشمل الاستطلاع الذي أجري في شهر تشرين الأول/ أكتوبر « سبعة مجتمعات عربية، وهي: تونس، ومصر، وفلسطين، والأردن، والسعودية، ولبنان، والعراق، فضلا عن اللاجئين السوريين في كل من لبنان والأردن وتركيا».
وايا كانت الارقام فانها تبقى مثيرة للرعب، اذ تؤكد ان ما يمكن تسميته بـ»اسلام داعش» يحظى بشعبية بين ملايين، وهو ما يذكرنا بانه لم تعد هناك من وسيلة يمكن بها مواصلة الهروب او دفن الرؤوس في الرمال.
واذا كانت الولايات المتحدة اكدت رسميا ان الحرب ضد «داعش» مستمرة لسنوات، فان التنظيم يستعد لحرب تستمر لاجيال. هذا ما اكده فيديو ينتشر حاليا بكثافة على الانترنت، يظهر معسكر تدريب للتنظيم يتدرب فيه اطفال لا تزيد أعمار بعضهم عن أربعة اعوام على حمل السلاح، كما يتلقون الأفكار المسمومة عن «الإسلام الداعشي» الذي هو العدو الحقيقي الذي لن يتوقف عن افراز «دواعش اخرى كثيرة» مهما تباينت الاسماء او المواقع الجغرافية.
وبالطبع لن ينفع قصف جوي، في ابادة الملايين من مؤيدي «داعش»، لكن سينفع فقط ان نعلن حربا ثقافية في جوهرها على الافكار التي تغذي جذور التنظيم، وهو ما يستلزم اعادة نظر شاملة في ما اصبح مع تراكم القرون «فكرا مقدسا» او «مبادئ إسلامية» لا يجوز الاقتراب منها، مع ان الآيات القرآنية التي تحض على التفكر والتدبير أكثر من ان يحتويها هذا المقال.
وثمة معضلة كبيرة اشرنا اليها في مقال سابق بشأن ضرورة تجديد الفكر الديني، وهي ان المؤسسات المنوط بها اجراء تلك المراجعة، تتصدر المستفيدين من استمرار الحال على ما هو عليه، لاسباب إما سياسية باعتبار انها تحولت إلى جزء من المنظومة الحاكمة التي قد تنهار او تفقد شرعيتها في ظل إسلام مدني إنساني حقيقي، كما اراده الله، وليس كما أراده فلان او علان، وإما تتعلق بالفساد والمنافع الكبرى التي تتحقق من وراء الاتجار بـ»الاسلام الداعشي».
وبكلمات اخرى فان بعض المؤسسات الدينية ترفض القيام بدورها الحقيقي في الدفاع عن الاسلام الحقيقي ومحاربة «الإسلام الداعشي»، حتى اذا كان هذا يعني ضمنيا دعما للتحريض البواح على الإلحاد، وتدمير المجتمعات العربية بانتشار الارهاب والتطرف المتغطي بالدين.
وفي مصر، كان تعديل الخطاب الديني، ومراجعة المكانة القيادية للازهر جزءا رئيسيا من الوعود الانتخابية للرئيس عبد الفتاح السيسي، الا ان شيئا منه لم يتحقق حتى الان. وقد تلقت وزارة الاوقاف المصرية طلبات تحثها على مراجعة الخطاب الديني، الا انها لم تقدم اي خطة واضحة في هذا الشأن. وفي غضون ذلك تنتشر الأنباء عن اختراقات التكفيريين للوزارة والازهر، حتى ان مسجدا كبيرا في حي الزيتون الشعبي اصبح يعرف بـ»جامع داعش». ناهيك عن الاستمرار في تدريس كتب بالمدارس الازهرية توفر غطاء دينيا لجرائم القتل والسبي والاغتصاب والحرق وغيرها من الجرائم ضد الانسانية. 
الواقع أن الإسلام سيكون المستفيد الاول من مراجعة كهذه في ظل تحديات يفرضها العصر، تتجاوز حمايته من تشويه صورته، إلى احياء جوهره الانساني. اذ لم يعد مقبولا ان تتقدم مفاهيم بالية لـ»العقيدة والفقه» على اولوية الانسان وكرامته وحقوقه التي هي الاساس المشترك للقيم المعاصرة.
لم يعد مقبولا ان نتحدث عن «حد الردة» اي قتل من يترك الاسلام، فيما نتحدث عن «دين الرحمة والتسامح». لا يمكن المساواة بين فهم العقيدة وحياة الانسان، فان ذهبت عقيدته (كما نفهمها) يستباح دمه، ثم يوجه البعض اللوم إلى «داعش» وليس اصول الشر التي اعتمدت عليها في احكامها.
لابد من مراجعة لمفهوم الكفر والشرك، اذ لا يمكن تطبيق المبادئ والمفاهيم الخاطئة للآية «واقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم» التي قصد بها حماية الاسلام في بداية عهده، وليس المسلمين الذين يعتقدون بكرامات شخص، او يدينون بدين آخر ثم نتحدث عن «التعددية والتفاهم بين الحضارات»(..).
لابد من مراجعة «حتمية الربط» بين الدين والدولة، وكأن الدين لا يكون ولا يقوم الا اذا تحول إلى دولة، حتى اصبح الدين مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة. الواقع ان الدين حق وهو ما يمنحه قوة ذاتية تمكنه من البقاء وفرض قيمه على المجتمع، نابعة من الاقتناع والايمان الصادق، وليس من شرطة مطوعة او شيوخ سلفيين يتباهون بلحاهم الكثيفة، ثم تثبت الاحداث انهم يقولون ما لا يفعلون، كما تشير الانباء التي تواترت عن فضائح بعضهم في مصر مؤخرا.
فمتى نعلن الحرب على «اسلام داعش»؟