عن عبثية التعديل الوزاري الأخير !! (مقال)

أربعاء, 2016-02-10 12:12
الكاتب محمد الأمين ولد الفاضل

لقد تعودنا ومنذ أن بدأت الاحتجاجات المطالبة بتخفيض أسعار المحروقات أن نسمع نكتا جديدة ونظريات غريبة في المؤتمر الصحفي الذي يعقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، ومن الراجح بأن المؤتمر الصحفي لهذا الأسبوع لن يخلو هو أيضا من نكت جديدة إن تم طرح سؤال يتعلق بالاحتجاجات المتصاعدة  ضد عدم تخفيض أسعار المحروقات، وفي انتظار ذلك المؤتمر ونكته، فلا بأس، أن نتسلى الآن مع قراءة جادة أو غير جادة ـ إذا شئتم ـ  في التعديل الوزاري الأخير.
بدءا لابد من أن أذكِّر من جديد بأني لستُ من أولئك الذين يجهدون أنفسهم في البحث عن تفسيرات و تأويلات وقراءات لمثل هذه التعديلات والترقيعات التي تشهدها الحكومة من حين لآخر، وذلك لاعتقادي بأن كل هذه التعديلات والترقيعات لا يمكن تفسيرها بعيدا عن "المزاج السامي" لسيادته، وعن تقلبات ذلك المزاج، إلا أني ورغم تلك القناعة، فقد ارتأيتُ أن أشارك في التعليقات التي أثارها التعديل الأخير، وذلك من خلال الملاحظات التالية:
1 ـ  لا يمكن القول بأن هذا التعديل كان مفاجئا، ولا يمكن القول أيضا بأنه كان متوقعا، فالدليل على أنه لم يكن مفاجئا هو أن أكثر المواقع تحدثت عن هذا التعديل من قبل حصوله، وبعض هذه المواقع تمكن من تحديد توقيت هذا التعديل. وهو كان مفاجئا لأن الوزراء الذين تمت إقالتهم ليسوا هم الذين كانت المواقع والإشاعات تتنبأ بإقالتهم. أما الذين تم تعيينهم كوزراء جدد، فلا أحد كان يتوقع تعيينهم.
2 ـ لا يمكن القول بأن هذا التعديل له أي علاقة بسوء أداء الوزراء، ولا يمكن القول أيضا بأنه ليست له أي علاقة بسوء أداء الوزراء. ففي هذا التعديل سنجد بأن هناك وزراء كان أداؤهم سيئا قد تمت إقالتهم، كما هو الحال بالنسبة لوزيري الصحة والتعليم، وسنجد أيضا بأن هناك وزراء لم يكونوا هم الأسوأ أداءً في الحكومة الحالية قد تمت إقالتهم أيضا، وكما هو الحال بالنسبة لوزيري الخارجية والاقتصاد والتنمية. ومما يؤكد أيضا بأن هذا التعديل ليست له علاقة بسوء الأداء هو أن الوزراء الأسوأ أداءً لم تتم إقالتهم، ويكفي أن نعرف بأن وزير البترول والطاقة والمعادن لم تتم إقالته، وهو الوزير المعني بثلاث ملفات أثارت في الفترة الأخيرة جدلا كبيرا ( ملف المحروقات؛ ملف الكهرباء والتي انقطعت عن الرئيس في قصر المؤتمرات؛ وملف "اسنيم" المهددة بالانهيار وبإضراب العمال). ولم تتم إقالة وزير الثقافة والتي عرف قطاعها العديد من المشاكل والصراعات فمنها ما هو متعلق بالاتحادات التي تتبع لها (اتحاد الفنانين، اتحاد الكتاب، اتحادية الرماية..)، ومنها ما كان متعلقا بالنسخة السادسة من مهرجان المدن القديمة. يضاف إلى ذلك ما بات يعرف في عالم التدوين بالثورة الثقافية التي تخاض ضد هذه الوزيرة. يمكنني أن أذكر أيضا وزيرة الزراعة التي يشهد قطاعها كارثة حقيقية، ووزير التعليم العالي، والناطق الرسمي باسم الحكومة، ووزير التوجيه الإسلامي...إلخ. وبالمختصر المفيد فلو كان هذا التعديل يقصد به إبعاد الوزراء الأسوأ أداءً لكان الوزير الأول هو أول المقالين.
3 ـ يمكن القول بأن هذا التعديل الحكومي قد جاء للتخفيف من الصراعات داخل الحكومة، ويمكن القول أيضا بأنه قد جاء لتغذية تلك الصراعات. فالدليل على أنه قد جاء للتخفيف من تلك الصراعات واضح وجلي ويظهر من خلال إقصاء كل حلفاء الوزير الأمين العام للرئاسة وهو ما يعني بأن الصراع بين الوزير الأمين العام للرئاسة والوزير الأول سيتوقف مؤقتا، وذلك بعد أن حسم التعديل الأخير ميزان القوى لصالح الوزير الأول. والدليل على أن هذا التعديل قد جاء لتغذية صراع آخر يظهر من خلال تعيين أشد خصوم الوزير الأول وزيرا للخارجية. ستكون الفترة القادمة فترة صراعات شرسة بين ثلاثة أو أربعة أقطاب تقودها شخصيات عرفت بمزاجها الحاد وبشخصياتها الصدامية : الوزير الأول؛ وزير الخارجية؛ رئيس الحزب الحاكم. هناك قطب رابع سيظهر في الفترة القادمة وسيكون تحت قيادة الوزير الطموح والمدلل وزير المالية الاقتصاد.
4 ـ من المعروف بأن كل التعديلات الوزارية في هذه البلاد ظلت تحترم التوازنات القبلية والجهوية والعرقية، فكان كلما أقيل من قبيلة أو عرق أو جهة وزير تم تعويضه بوزير آخر. ميزة هذا التعديل الأخير هو أنه التعديل الذي كان الأكثر احتراما لهذه القاعدة، وكانت عملية التعويض صريحة  وواضحة جدا، ولا يمكن الطعن في سلامتها من طرف أي مجموعة قبلية، ولا من طرف أي مكون جهوي أو عرقي.
5 ـ  هناك رابحون في هذا التعديل، وهناك أيضا خاسرون، ولكن هناك طائفة ثالثة لا تعرف إن كانت قد ربحت من هذا التعديل أو أنها خسرت ..سأعطيكم أمثلة من هذه الفئات الثلاثة.
الرابحون : يبقى الرابح الأول من هذا التعديل هو وزير المالية، ولهذا الوزير مكانة خاصة عند الرئيس، وربما يكون ذلك بسبب قدرة هذا الوزير على تحصيل الأموال الطائلة للخزينة، وحتى في أوقات العسر والشدة.
إن لهذا الوزير مكانة خاصة عند الرئيس، ويظهر ذلك من خلال:
ـ أنه هو الوزير الوحيد الذي لم يشهد منحناه الوظيفي أي تذبذب بل إن هذا المنحنى ظل في تصاعد لافت، فمن مدير مدلل للضرائب، إلى وزير للمالية، وأخيرا  تم تعيينه وزيرا للمالية وللاقتصاد معا.
ـ أنه هو الوزير الوحيد الذي تم توشيحه من طرف الرئيس، وذلك في وقت لا يزال يشغل فيه منصب وزير.
ـ أنه هو الوزير الوحيد الذي أدمجت له في هذا التعديل حقيبتان وزاريتان هامتان..هناك من يتحدث بأن عملية الإدماج كانت لأسباب تتعلق بترشيد الموارد في هذه الظرفية الاقتصادية الصعبةـ ولكن يبقى السؤال: أليست وزارة البيطرة والزراعة ووزارة التهذيب والتعليم العالي والثقافة والشباب أولى بذلك الدمج الثنائي من وزارة الاقتصاد والمالية؟
هناك رابح آخر وهو "الشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله"، والذي شهد التعديل الوزاري السابق صعود أقرب مقربيه وزيرا للداخلية، وصعود أشد خصومه السياسيين وزيرا للخارجية. في هذا التعديل تمت إقالة الخصم السياسي للشيخ مع الاحتفاظ بالحليف.
الخاسرون : لعل الخاسر الأكبر في هذا التعديل هو الوزير الأمين العام للرئاسة الذي فقد كل حلفائه في الحكومة، ولم يبق لديه إلا ملف الحوار المتعثر الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، خاصة في هذه الفترة بالذات.
الحائرون : هناك أطراف عدة أصابها هذا التعديل بالحيرة، وهي لا تعرف إن كانت في المحصلة النهائية قد كسبت أم أنها خسرت، ولعل من أبرز هؤلاء الحائرين يمكن أن نذكر الوزير الأول، والذي لا شك أنه قد ربح كثيرا لأنه لم تتم إقالته وفي ذلك ربح كبير. كما أنه ربح أيضا لأنه تمكن من إبعاد كل حلفاء خصمه، أي الوزير الأول السابق، والذي لم يعد يملك اليوم ما يقدم لحلفائه سوى أن يوزع عليهم ابتساماته التي قد لا يجدونها عند الوزير الأول الحالي.ذلك عن ربح الوزير الأول، أما عن خسارته فيكفي أن نذكر تعيين أشد خصومه وزيرا للخارجية، ولو أن الوزير الأول طلب منه أن يختار بين الإبقاء على كل حلفاء الوزير الأمين العام للرئاسة في الحكومة مقابل عدم تعيين خصمه الآخر وزيرا للخارجية، لربما اختار الإبقاء على حلفاء الوزير الأمين العام للرئاسة بدلا من ترقية رئيس سلطة التنظيم وتعيينه وزيرا للخارجية.
من المؤكد بأن الأيام القادمة لن تكون مريحة بالنسبة للوزير الأول، والذي لا شك بأن قلقه سيزداد في الفترة القادمة، وذلك لأنه يعلم بأن هناك وزيرين في حكومته قد تعلق قلبهما بالوزارة الأولى، ولن يدخرا جهدا للوصول إليها. لن يرتاح الوزير الأول وهو يعلم بأن في حكومته وزير المالية والاقتصاد ذلك الوزير المدلل والطموح، والذي ولم يعد يرضى بما هو أدنى من الوزارة الأولى، وأن فيها أيضا خصمه الشرس (وزير الخارجية) ، والذي لم يعد يخفي، ومنذ مدة، تعلقه بالوزارة الأولى.