السيسي في البرلمان… هل من جديد؟

ثلاثاء, 2016-02-16 01:12
عبير ياسين

عندما يؤكد نائب رئيس الجمهورية رستم «أحمد راتب» في حديثه مع المواطن المطحون زينهم «عادل أمام» شبيه الزعيم في المسرحية التي تحمل الاسم نفسه، على أنه لا يستطيع النوم، يتصور زينهم أن السبب هو الناموس، وأن المعاناة لا تفرق بين الشعب والحكام. 
ولكن رستم يسارع إلى تأكيد أن السبب هو التفكير في هموم الشعب، رغم كل ما سبق تلك اللقطة من حديث عن الفساد واستغلال الدولة والأموال الموجودة في البنوك الأجنبية. تلك المفارقة بين رؤية المواطن وخطاب السلطة لاتزال حاضرة وبقوة، خاصة أن محاولات إنتاج الزعامة لا تتوقف، أما المواطن فمثل زينهم لازال قادرا على السخرية من السلطة في مواجهتها، مؤكدا على أنه يستطيع رؤية كل الشخصيات المشهورة في»القراطيس» التي يشتري فيها الطعمية. وبدوره لازال الواقع قادرا على تقديم المزيد من الأحداث المولدة للمفارقات والمثيرة للسخرية، على هامش كل زعيم، بغض النظر عن القائم بعملية اختراع الزعامة وتوافر شروطها من عدمه. وبعد أيام قليلة من جدل لم يتوقف عن السجادة الحمراء التي سار عليها موكب الرئيس عبد الفتاح السيسي في طريقه لافتتاح مشروع إسكان لمحددوي الدخل، في وقت تحدث فيه عن تخفيض الدعم وغيره من التحديات التي يجب ان يتحملها المواطن، جاءت صورة الموكب الذي صاحبه في الطريق إلى البرلمان لإلقاء خطابه يوم السبت 13 فبراير، لتضيف الكثير لصورة التناقض بين خطاب التقشف وواقع الزعامة، وبين رؤية السلطة لما يجب ان يتحمله المواطن، وما يجب ان تتمتع به.
ترى السلطة في تمتعها وحفاظها على درجة عالية من البذخ جزءا أساسيا من المكانة التي تعمل دوما على ربطها بمكانة الدولة وكرامتها، كما ظهر بشكل شديد الوضوح في تصريحات نائب رئيس إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، التي اعتبر فيها أن صورة السجادة الحمراء تعبير عن التقدم الذي تشهده مصر ووسيلة لتوصيل تلك الرسالة للخارج. رؤية تعبر عن جزء أساسي من الأشكاليات الممثلة في غياب التعريفات الواضحة للأدوار والمسؤوليات، التي تجعل موضوع حديث خطاب رئيس البرلمان هو الرئيس وتضحياته بتولي الرئاسة، أكثر من أن تعبر عن البرلمان ودوره، والمواطن الذي يفترض التعبير عنه. رؤية تتجاوز هامشية الفكرة التي ترى تقدم الدولة في سجادة تحت موكب الرئاسة في الداخل، ومن أموال الدولة التي يتحدث كبار مسؤوليها عن ضرورة التقشف، وليس في الخارج حيث مراسم الاحتفالات والتكريم. في الوقت نفسه الذي تتجاوز فيه عما تعبر عنه من فجوة بين الحاكم والمحكوم، رسالة تمتد من الداخل الغاضب إلى الخارج الذي يرى ما يحدث بوصفه نوعا من الكوميديا السوداء والسخرية التي لا تبعث على الضحك وتعبر عن الفساد وعدم الرشادة وعدم المحاسبة وليس العكس.
ولكن بعيدا عن تلك الصورة وما تعبر عنه من تعمق المشكلات الخاصة بالسلطة وتعريفها وعلاقتها بالمواطن، ركز جزء أساسي من تناول خطاب السيسي على ما تناوله وما غاب عنه، واعتبر البعض أن الخطاب تجاوز عن القضايا المهمة التي تشهدها مصر في اللحظة، خاصة سد النهضة وأوضاع الأطباء والضغوط التي تواجه مصر في علاقاتها الخارجية. بالمقابل اعتبر البعض أن الخطاب يعبر عن الخطوط العامة ويترك القضايا الفرعية والتفاصيل لبيان الحكومة. ولكن التعمق في قراءة الخطاب يمكن أن يضعه في مساحة بين تلك الرؤى، فمن جانب ركز على ما يعتبره السيسي إنجازات المرحلة، التي اعتبرها إنجازات غير مسبوقة، في حين تجاوز عن الملفات التي لم تتحقق فيها أي إنجازات واضحة أو تعرضت لتطورات سلبية أو فشل واضح حتى إن لم يعلن.
جاء الخطاب واضحا في تأكيد شرعية الرئيس، والإنجازات التي حرص دوما على تكرارها في أحاديث مختلفة، بداية من «التكليف» مرورا بإنجاز الغياب، وصولا للمشاريع القومية المتكرر الإعلان عنها. ولكن ما أضافه السيسي في هذا الخطاب هو الربط المباشر بين خلفيته العسكرية وقبوله تحدي التكليف والاستجابة لمطالب الجماهير بتولي منصب الرئاسة. وفي حين ارتبطت أغنية «اخترناك» بمرحلة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك التي تؤكد على أن السلطة «تكليف مش تشريف»، فإن السيسي يؤكد الخطاب بشكل مستمر، وهو يعيد التأكيد على أن المسؤولية هي مسؤولية الشعب الذي كلفه، وأنه تنازل بقبول السلطة وتغيير الزي العسكري الذي يحبه، كما جاء في سياق آخر.
جاء الربط المباشر بين قبول التكليف والخلفية العسكرية بوصفها تأكيدا على مكانة المؤسسة التي ينتمي لها، وجزءا من شرعية التاريخ والمكانة على طريقة مبارك، وهو يكرر الحديث عن الضربة الجوية. وعلى الرغم من المعنى الايجابي المراد إيصاله جاء خطاب السيسي عن أنه تعلم في المؤسسة معاني «الوطنية ومبادئ الشرف والإخلاص والتضحية وإنكار الذات»، سلبيا لأنها قيم عامة يفترض أنها ثابتة، حتى إن أراد القول إن المؤسسة أكدت أهميتها أو رسختها وساعدت على وضعها موضع التنفيذ.
وبهذا، أكد خطاب البرلمان على أهمية الانتماء العسكري في بناء الأسس التي أدت إلى قبول التكليف الشعبي. ولكنه أضاف إليه تعريف الدور الذي جاء للقيام به، وهو تولي مسؤولية وطن في «مهمة انقاذ وبناء» وهو تعريف يتجاوز عن تعريف البعض للسيسي في البداية، بوصفه رئيس الضرورة ويجعله في مكانة المخلص والمنقذ، وهو ما يتسق مع تصريحات البعض عنه بوصفه أنقذ الدولة من أن تكون دولة فاشلة، وانه أنقذها من الانهيار، ولكن تلك المرة يقوم السيسي نفسه بتعريف هذا الدور بشكل واضح وعلني.
أما إنجاز الغياب فكان أكثر حضورا، وهو يؤكد منذ البداية على أن البرلمان استكمل خريطة المستقبل التي توافق عليها الجميع من أجل «استعادة الوطن ممن أرادوا اختطافه لحساب أهدافهم المنحرفة ومصالحهم الضيقة». وإن كان الحديث عن إنجاز حماية مصر مما كان يمكن أن يحدث إن استمر حكم الرئيس محمد مرسي لفترة أطول ليس جديدا على خطابات السيسي، فإن أبرز ما ظهر في خطابه هو الحديث عن بناء الدولة الحديثة الديمقراطية، خاصة أن الديمقراطية ليست من المفاهيم التي تفرض نفسها على خطبه. ولكن الحديث جاء متسقا مع خطابه العام، لأنه اعتبر أن البرلمان استكمال للديمقراطية بصورة أو أخرى، وهو يؤكد أن الدولة المصرية استعادت «بناء مؤسساتها في إطار تتوازن فيه السلطات تحت مظلة الديمقراطية التي ناضلت من أجلها الجماهير، وحصلت عليها كمكتسب لها لن تفرط فيه ابداً».
وبهذا يؤكد على استكمال الديمقراطية بمجرد استكمال المؤسسات، وهو حديث عن الإنجازات بصورة هامشية، فالاهتمام بالشباب معبر عنه بإعلان عام لهم وحصول بعضهم على مقاعد البرلمان أو تولي البعض لمناصب في الوزارات، وكلها لا تختلف عن تقدم مكانة الدولة بوجود سجادة حمراء في الطريق لمنازل محدودي الدخل وتحقق الديمقراطية بانتخاب البرلمان، بدون التعامل مع الواقع نفسه ومؤشرات الديمقراطية من عدمها. وارتبط بهذا التصور الحديث عن الإرهاب بصيغة الماضي، وهو يؤكد على أننا «استطعنا ان نكسر شوكة منظمات الإرهاب في الوادي وسيناء وعلى حدودنا الغربية»، رغم الهجمات التي تحدث والمخاوف الأمنية التي لا يمكن إنكار انعكساتها على المواطن ولا على الاستثمارات والسياحة.
تبدو صيغة الماضي مهمة في تأكيد حدوث انجازات لا يقدم الرئيس ما يدل عليها، وعلى الرغم من حرصه على ضرورة ذكر الأرقام الخاصة بالتحديات والمعاناة، وضرورة ان يحفظها المواطن حتى يدرك حجم المعاناة التي تواجه السلطة لقيامها بالحكم، فإنه لا يقدم أرقاما واضحة عن الإنجازات أو تحسن أوضاع المعيشة في اللحظة أو المستقبل المنظور. تصبح المعاناة واضحة وبالأرقام والإنجازات ضبابية ومرسلة ومعتمدة على استخدام صيغة الماضي لتؤكد على تحقق الديمقراطية وعلى الانتصار في المعركة على الإرهاب. ويدشن كل هذا الحديث عن التحول من «مرحلة الانتقال إلى مرحلة الانطلاق»، واضعا كل هذا في دعوة إلى المشاركة في بناء «مجتمع العمل والأمل»، وهي دعوة تأتي في نهاية خطاب طويل يدافع عن الوجود بوصفه تكليفا، بدون أن تحدد مصادر الأمل في وقت لا يتحدث النظام إلا عن المشكلات والتحديات وضرورة التقشف من أجل الاجيال القادمة، وفي الوقت الذي يتناقض فيه الحديث عن العمل مع الواقع الاقتصادي، والحديث عن عدم حاجة الدولة عن معظم أعضاء الجهاز الإداري القائم. يظل خطاب السيسي شديد الأهمية بشكل عام، لما يفصح عنه من أفكار تستكمل تصوراته ورؤيته للوطن والمواطن ومساحته في المشهد، ولكنه في الوقت نفسه يمثل جزءا من واقع عام، وفي الخلفية كل الأجواء التي توحي بمشاهدة خطاب من خطابات عيد العمال في عهد مبارك، حيث حديث الخبير وهتافات الدعم المطلقة التي تؤكد على لسان رستم في المسرحية، أن الزعيم لا يطلب من أحد ولكن البلد كلها تطلب منه. وما دام الفرد أعلى من الدولة، والبرلمان دليل استكمال الديمقراطية، والسجادة دليل مكانة والموكب دليل كرامة فمن الطبيعي أن تكتب المشكلات على الصخر وتكرر حتى يحفظها الشعب وتكتب الإنجازات والوعود على الماء وتتغير لتتناسب مع كل موقف ولحظة.