داعش تنتصر إعلامياً بجهودنا

ثلاثاء, 2014-11-18 21:12
لميس أندوني

عمليات الإعدام الفردية والجماعية وجز الرؤوس أصبحت أهم صورة تمثل العالم العربي، ليس في الإعلام الغربي فقط، بل في الإعلام العربي، ربما لقساوة الجريمة. لكن، الأرجح لأنها جرائم مصورة، صورا ثابتة ومتحركة، لا تستطيع صحيفة أو محطة فضائية، أو موقع تجاهلها. 
داعش لا تصنع الأخبار فقط بل والصورة، ولا أقصد الصورة التقنية، بل الصورة التمثيلية لنا جميعا، فأصبح الإعلام، بما فيه إعلامنا يختصرنا بها، وبالتالي، تصبح كل صورة لجريمة إسرائيلية باهتة، وتتلاشى من الذاكرة أفلام الرعب والقصف الأميركي وغزو العراق، كما تختفي صور أحلام الثورة والحياة، فتقدم داعش هدية للرواية الاستشراقية التي لا ترى في المشرق سوى التخلف والتفتت والعصبية القبلية والدينية. 
إذا أردنا أن نفهم الضرر الفادح الذي تحدثه فيديوهات داعش لعمليات قطع الرؤوس، لنتأمل، لحظةً، حقيقة كيف تغطي هذه الصور على فيديوهات للجرائم الإسرائيلية التي التقطتها، عادة، وبالمصادفة، كاميرات المراقبة لمحلات تجارية لحظة حدوثها، حتى إن الصحافة العربية، بالكاد، تضعها في عناوينها أو تتناولها، وحتى حين يتناولها الإعلام العربي أو العالمي، لا تحدث التأثير المطلوب، فداعش نجم أفلام الرعب بدون منازع. 
هناك تقصير مخيف في الإعلام العربي، فقلما نرى أشرطة الفيديو، لعمليات الخطف أو الإعدام الإسرائيلية، ومنها مشهد خطف الطفل محمد خضير الذي أحرقه مستوطنون حياً، ومشاهد إعدام خير حمدان من فلسطينيي عام 1948، وغيرها، تتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار التلفزيونية، ما يسهل على إسرائيل النجاة من العقاب أو من محاسبة الفاعلين، عادة من الشرطة أو الجنود والمستوطنين، على الرغم من وضوح سماتهم ووجوههم. 
تعتبر داعش جريمتها مناسبة إعلامية وإعلانية، فتقوم بالتوزيع بشكل مقصود ومتعمد، لإثارة الرعب، وتتسابق وسائل الإعلام على نشرها، خصوصاً وأن بعض أبطال أفلامها من الضحايا من الغربيين، ما يجعل القصة أكثر أهمية وإثارة، من قتل شاب أو فتاة تحت احتلال الإسرائيلي، فتتصدر صور عمليات قتل داعش عناوين الصحف العالمية، وقلما تكون أفلام القتل الرئيسية موضع هذه العناوين. 

في حالة شرائط صور كاميرات المراقبة، هي عادة متوفرة على اليوتيوب تنتشر، أغلب الأحيان، من دون ضجة إعلامية، ولا يهتم بها الإعلام العربي، لأنه يعتبرها موجودة أصلا على اليوتيوب، وكأن لا خبر هناك ولا قصة ولا شهادة على جريمة موثقة، وبالتالي لا متابعة جدية، والإعلام العربي في هذا متخلف عن الإعلام الغربي، على الرغم من انحياز الأخير في معظمه لإسرائيل، لكن، في حالتين محددتين، هما شريط قنص الشرطة الإسرائيلية الشابين قرب رام الله في ذكرى النكبة، وخطف محمد خضير، كان هناك اهتمام في الإعلام الغربي فاق اهتمام الإعلام العربي. 
لا أعرف كيف نفسر هذا اللغز أو الحالة، هل أصبحت الجرائم الإسرائيلية في نطاق "العادي"، غير المثير؟ أم أننا لا نؤمن بقدرتنا على الفعل، بما في ذلك الإعلامي منه، هنا يجب التوضيح أن نشطاء حقوق الإنسان ودعاة حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والمتضامنين، هم من أثاروا قضايا الجرائم الإسرائيلية أولاً، ومما دفع الإعلام الغربي للكتابة عنها، وليس هناك فضل يذكر للإعلام العربي. أي أن شرائط داعش لا تدمر فقط صورة العالم العربي، وتجعلنا كلنا على شاكلتها في المخيلة العالمية، لكن تساهلنا في التعامل مع حقوق شعوبنا، في فلسطين وغير فلسطين، فانتصارات داعش الإعلامية هي أكثر من تشويه الصورة، بل انقيادنا لها هو ظلم للشعوب العربية الإنسانية والحقوقية.