لحظات كذب

أحد, 2016-03-13 13:45
عبد الوهاب محمد

في مساء اليوم وفي أثناء تجوال روتيني في  الفضائيات الوطنية منها والدولية , علي أجد خبرا جديدا أو معلومة مفيدة , وقع بصري على  برنامج في قناة MBC يقدم تقريرا عن ما سماه التقرير " ظاهرة الإغتصاب في موريتانيا " .
بعد انتهاء التقرير استضافوا من قدمت نفسها على أنها رئيسة لمنظمة غير حكومية تدافع عن الفتيات ضحايا العنف الجنسي .
استبشرت خيرا بكونها ستعطيهم  صورة ناصعة عن مجتمعنا قيمه عاداته وكون هذه الأمور كلها وافدة عليه وليست ضمن ثقافته الجمعوية بل هي حالات شاذة ينكرها الدين والعرف والرأي العام .
لكن ما إن وضعوا عليها السؤال الأول حتى بدأت تكيل الإتهامات لمنظومتنا القانونية وكونها غير رادعة ـ على حد زعمها ـ وادعت أن القضاة لا يحكمون للفتيات بحقوقهن انطلاقا من كونهم رجال .
ركزت رئيسة المنظمة على  صعوبة الإثبات , وقالت أن المرأة إذا اشتكت ممن اغتصبها تسجن وتتهم بالزنا ولا يدرأ عنها السجن إلا إذا كانت قاصرة .
تغير الأمر قليلا ـ بحسب السيدة الرئيسة ـ بعد قيام منظمتها بعدة دورات للقضاة حتى فهموا حقوق النساء .

مقدمة البرنامج تداركت عليها بأنها تسمع أن هناك شيئا في الإسلام يسمى " الملاعنة .

ونظرا لضبابية الرؤية لدى السيدتين وتنويرا للرأي العام , ودفاعا عن الوطن وهيبة القضاء أردت أن أعلق في عجالة على بعض الأفكار ليس تهجما أو انتقاصا من أحد وإنما حبا في الوطن ورفعا لبعض اللبس ودعوة لنقاش كل الأمور حتى وإن كانت تعد في نظر البعض من "  التنابوهات التي لا ينبغي الحديث عنها " وعند البعض الآخر " يجب  تبنيها بل وحتى المتاجرة بها أحيانا بين هذا الرأي  وذاك نورد الملاحظات التالية :

1. النصوص القانوية التي تتناول الإغتصاب  :
عقوبة جريمة الإغتصاب هي الجلد والأشغال الشاقة المؤقتة ـ كما يعاقب مجرد الشروع في جريمة الإغتصاب بالأشغال الشاقة كما نصت على ذلك المادة 309 من القانون 83 ـ 162 الصادر بتاريخ 9 يوليو 1883 المتضمن القانون الجنائي .
وقد جاءت المادة 310 من نفس القانون بظروف مشددة   للعقاب في حالة ما إذا كان  الجاني من أصول من وقع عليه الإعتداء أو ممن لهم سلطة عليه .

وفي حالة ما إذا كان المعتدى عليه طفلة ـ لم تبلغ 18 سنة ـ فإنه تنطبق مقتضيات القانون 2005 ـ 015  المتضمن الحماية الجنائية للطفل .
الذي تناول أحكام الإغتصاب الواقعة على الأطفال في الفرع الثالث من الفصل الثاني من الكتاب الأول تحت عنوان "الإعتداءات الجنسية " .
وقد نص هذا القانون على عقوبة من يعتدي على الأطفال أي اعتداء جنسي سواء كان اغتصابا أو مرادوة جنسية أو حتى انحرافا جنسيا ,
فعاقب  المشرع  الجريمة الأولى بالحبس من 5 إلى عشر سنوات في حالة عدم توافر شروط الحد أما إذا توافرت هذه الشروط  فإنه يعاقب بالأعمال الشاقة والجلد (المادة 24 من القانون 2005 ـ 015 المتضمن الحماية الجنائية للطفل )  .
وعاقب الجريمة الثانية بالحبس من شهرين إلى ثمانية أشهر وبغرمة من100.000 إلى 140.000 وتضاعف العقوبة في حالة ما إذا للمعتدي سلطة على الطفلة (المادة 25  من نفس القانون )  .

أما الجريمة الثالثة التي عنونها المشرع "بالإعتداءات الجنسية الأخرى " فعقوبتها الحبس من سنتين إلى أربع سنوات وبغرامة من 120000 إلى 160000 (المادة 26 من نفس القانون ).
ومن هذه النصوص يتضح العناية الكبيرة التي يوليها المشرع  لهذا النوع من الجرائم ا واستشعاره بخطورتها وانعاكسها ليس فقط على المعتدى عليها بل لكونها تمس أهلها وأقاربها في كرامتهم وشعورهم  , فمن اطلع على هذه النصوص لا يمكن أن يتهم منظومتنا القانونية بالقصور  .

2. قضية الإثبات :
شكت الرئيسة من كون المرأة إذا لم تثبت الإغتصاب فإنها تتهم بارتكاب جريمة الزنا .
نقول ـ وبالله التوفيق ـ أن الإثبات مسألة ضرورية ومهمة ولا يمكن أن يسجن شخص لإتهامه جزافا من قبل شخص آخر دون أن يقدم الدليل والحجة القاطعة .
لكونه يدعي خلاف الأصل فالأصل " أن الإنسان بريء مالم تثبت إدانته " وهي ضمانة دستورية تنص عليها مختلف القوانين .
فعلى من يدعي  شيئا اثباته , إلا أن الإثبات في المجال الجنائي حر , ينطلق من قناعة القاضي الشخصية وتقديره لوقائع القضية ولكنه في سلطته التقديرية هذه خاضع بدوره للرقابة  " الإستئناف والنقض "
فإذا كان الزنا لا يثبت إلا بشهادة أربع شهود أو الإقرار( المادة 307 ) لحرص الإسلام على أعراض الناس وكرامتهم .
فإن المشرع لم يقيد الإثبات في جريمة الإغتصاب بنص من هذا القبيل مما يمكن معه القول بكون الإثبات خاضعا في هذه الجريمة للقواعد  العامة للإثبات في المجال الجنائي مما يعني إمكانية إثباته بجميع وسائل الإثبات والتي منها البينة والقرائن .

3.دفاعا عن هيبة القضاء :
القول بكون القضاة لا يحكمون للمرأة المغتصبة لكونهم رجال ,  فيه الكثير من الإستهتار والإدعاء بغير دليل , فنحن كطلاب ماستر قانون خاص  ومهتمين بالشأن القضائي نعلم أنه لا تنعقد أي دورة جنائية في أي غرفة أو محكمة جنائية إلا أصدرت أحكاما نافذا في حق جناة ارتكبوا جرائم اغتصاب .

كما أن قضاتنا لهم من التكوين والتأهيل الشرعي والقانوني والمهني ما يجعلهم في غنى عن تكوينات تكونهم بها جمعيات تدافع عن حقوق شرائح معينة ـ على أهمية تلك الجمعيات ـ ولكنها غير مختصة بحكم مكانة القضاة بتغيير قناعاتهم أو التأثير في أحكامهم , فهذا كلام لا يقبله العقل أو الفطرة السليمة .

4.اللعان :
سيدتي مقدمة البرنامج " قلتي بأنك سمعت أن هناك شيئا في الإسلام يسمى باللعان "
لو كانت من قالت هذاه العبارة  غير مسلمة لكان الأمر عادي وبسيط .
أما أن تقوله من يفترض بأنها مسلمة عربية تدافع عن حقوق المرأة ولا ترضى أن تكون المرأة الموريتانية مهانة أو منتهكة الحقوق  فهو أمر يندى له الجبينوينفطر له القلب .
سيدتي لا علاقة للعان بجريمة الإغتصاب . خصصي جزء بسيطا من وقتك بدل تصفح المجلات ومواقع الإنترنت غير المفيدة في أن تكتبي هذه الكلمة " اللعان " في محرك البحث "غوغل" واقرئي موضوعا أو اثنين عن أحكام اللعان    .