اقتحام نقابة الصحافيين المصرية: معركة القمع مقابل الحرية

اثنين, 2016-05-02 12:39
عبير ياسين

يؤكد حدث اقتحام نقابة الصحافيين المصرية من قبل عناصر من الأمن في الأول من مايو 2016 وقبل ساعات قليلة من بدء الاحتفال باليوم العالمي للصحافة، 3 مايو.
ما يحاول النظام نفيه وهو أنه ينتهج القمع أسلوب حياة وحكم، ولا يؤمن بالحرية ولا الديمقراطية وأن محاولاته ترويج سياسته بمبررات أن مصر «دولة حديثة»، أو أن الشعب «جاهل» لا يعرف كيف يتعامل مع الديمقراطية، ليست إلا غلافا سيئا لمحتوى أكثر سوءا فشل في تقديم الأمن ومكافحة الإرهاب، ويحاول تمرير التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، والاستيلاء على أكبر قدر ممكن من المساحات العامة وتقييد الحرية والبحث عن إعلام يمكن أن يحول التنازل عن الأرض لقمّة الوطنية، كما تحولت النكسة لفترة للحظة انتصار وهمية.
ومن أجل أن نتجاوز الخطاب الحماسي أو الغاضب، علينا أن نضع القضية في موقعها من معركة حرية الوطن، التي تجعل الحدث أكبر من نقابة ومجلس وصحافي، وفي حدود وطن وحرية وكرامة. وهنا علينا أن نتذكر مقولة الفيلسوف الإنكليزي جون لوك إنه «ليس من طريقة تدافع بها عن نفسك من هذا العالم سوى أن تتعمق في معرفته»، وكلمات الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو، أن «الصحافة الحرة يمكن أن تكون جيدة أو سيئة، ولكن المؤكد، أنه بدون حرية لن تكون الصحافة إلا مجرد شيء سيئ». تبدو تلك المقولات شديدة الأهمية في التعامل مع الحدث، حيث المعرفة مهمة في مواجهة العالم، والحرية مهمة لصحافة جيدة تساعد في تحقيق تلك المعرفة.
وبداية لا يمكن فصل التصعيد ضد نقابة الصحافيين عن البطش الأمني وزعزعة الأمن والاستقرار باسم تحقيقه، ولا عن التعامل مع نقابة الأطباء بعد الاعتداء على عدد من الأطباء من قبل أفراد من الشرطة في حوادث مختلفة. ولعل النقطة الأساسية التي تصف التعامل بعد الأزمة هي سياسة «فرق تسد» القائمة على تبرئة الجاني (قوات الأمن) وتحميل المسؤولية على المجنى عليه (أطباء- نقابة الصحافيين)، وتقديم الحدث ككل بوصفه جزءا من الفوقية والفئوية التي تسم تلك الجماعات (الأطباء- الصحافيين) وتقديم الخصم للمواطن في قالب طبقي- فئوي يخرجه من فئة المواطن- الضحية إلى فئة الطبقي- المدان.
ظهرت تلك الطريقة واضحة في التناول الإعلامي أثناء أزمة الأطباء والتركيز على أخطاء الأطباء، وأن مطالبهم مادية وفئوية، كما ظهرت سريعا على بعض المواقع والبرامج ووسائل التواصل، التي اتهمت نقابة الصحافيين بالخروج عن دورها، وأيواء متهمين، وتصويرها بأنها وأعضاءها فوق الشعب وفوق مصلحة الوطن. نغمة ترددت بصور مختلفة ووجدت من يساندها باسم ضرورة محاسبة مجلس النقابة وحله وتطهير النقابة من العناصر الإرهابية، في محاولة واضحة لخلط الأوراق وشق الصف وتشويه الضحية وتهميش القضية.
والسؤال ما هو أصل القضية، وهل هناك حالة فوقية ما تدعو للدفاع عن نقابة الصحافيين، وهل القضية فئوية وتخص الأعضاء ومصالحهم؟ أم أنها أكثر عمقا من هذا؟ وهنا يمكن العودة للكثير من الأدبيات التي تربط بين الصحافة والحرية والديمقراطية في المجتمع، وما تمت الإشارة إليه هو بعض من كثير يؤكد على قوة العلاقة بين تطور وحرية الصحافة وتطور الديمقراطية. ويمكن القول إن المعرفة قوة، وإن حماية الحقوق تحتاج لمعرفتها، وممارسة الأدوار تحتاج لتمكين يرتبط بدوره بالكثير من الأساسيات التي لابد أن تكون المعرفة والحرية جزءا منها. وبشكل عام فإن الحديث عن الخطوط الحمراء التي تم انتهاكها في التعامل مع نقابة الصحافيين وتجاوز القانون والدستور، لا يقصد منه تفضيل أو مكانة فئوية أو فوقية لأفراد بذاتهم، ولكنها خط أحمر لما يمثله الدور والقيمة العليا المرتبطة بها، وهي الحرية والحق في المعرفة. المعرفة التي تمثل بدورها جزءا أساسيا من التمكين والوقوف في مواجهة من يعتدي على الحريات. لهذا يصبح من الطبيعي أن نرفض ونعترض على كل مساحة حرية يتم تقليصها والاعتداء عليها من قبل السلطة من دون وجه حق. وأن نتعامل مع الحدث بوصفه قضية مهمة للحاضر والمستقبل، لان قصة الثور الأبيض في الخلفية وسياسة فرق تسد تهدم ولا تبني أوطانا.
الطبيعي أن يحاسب المواطن وفقا للدستور والقانون، وان تحترم السلطة الدستور والقانون وتحاسب عندما تتجاوزهما أو تتجاوز دورها وفقا لهما. أما غير الطبيعي فهو أن نوافق على انتقائية وعشوائية تطبيق القانون وفقا لحسابات السلطة وقوى الأمن وعلى حساب القانون والدستور نفسه. أن يتم التجاوز على القانون في تنفيذ قرارات الضبط والاحضار لأسماء بذاتها في الوقت الذي يتم فيه فيه تجاوز القانون واقتحام النقابة، من دون وجود أحد أعضاء النيابة العامة والنقيب، أو من ينوب عنه (المادة 70 من قانون النقابة) للقبض على صحافيين كانت النقابة تتفاوض مع الأمن في إجراءات تسليمهما فإن الانتقائية واستهداف النقابة والصحافيين تبدو واضحة، خاصة أن ردة الفعل متوقعة من أشخاص دورهم الدفاع عن الحرية والبحث عن الحقيقة وكشفها والتعامل بالكلمة التى لا تموت ولا تحتاج معدات وجيوشا ولا توقفها قلاع وحصون. أن يختار النظام- أو قوى الأمن، القيام بمثل هذا التحرك في التوقيت الذي تم فيه، هو قضية شديدة التعقيد وتطرح تساؤلات من الصعب الإجابة عليها وفقا للمنطق. ولا تعرف هل هو الغباء؟ أم صراعات السلطة؟ أم عوامل أخرى تحكم التطورات وتنتج هذا العبث الذي تدفع مصر الكثير بسببه؟
يدافع أنصار النظام عن براءة السلطة بتأكيد أن ما حدث ليس في صالح الرئيس، ويكرر بعضهم أنه لم يعرف، وهي أمور لا تقدم رؤية إيجابية للنظام الحاكم، ولا لفكرة الرئيس المسيطر على مجريات الأمور. وتظهر تلك التبريرات وجود انقسام بين تحركات قوى الأمن ومن يمثلها وبين الجزء السياسي من النظام، وكأنها جزر منعزلة يفكر بعضها في احترام القانون والدستور، ولا يعيش بعضها إلا على اختراق القانون والدستور وتجاوزهما.
وبالفعل لا يوجد شكليا سبب منطقي لتصعيد الصراع مع الصحافيين ونقابتهم في تلك اللحظة، وبعد الكثير من التصعيد المصاحب للاعتراض على التنازل عن الجزر، وملف حقوق الإنسان، والتعامل مع ملف الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، وقبل يوم من بدء الاحتفال باليوم العالمي للصحافة، الذي يضمن تركيز الانظار على الحدث وتكثيف الاهتمام به. في الوقت نفسه فإن الحدث يسحب من محاولات النظام تلميع صورته ومكانته الدولية، التي ظهرت واضحة اثناء زيارة الرئيس الفرنسي، وغيرها من التحركات التي عمل من خلالها على تأكيد قبوله من قبل الدول الغربية. كما جاء الحدث بعد تكرار استخدام مصطلح «أهل الشر» من الرئيس، والكثير من الشخصيات المؤيدة، في العديد من المواقف، لدرجة أنه فقد أي معنى أو قدرة على التفسير المنطقي للأحداث، وجاء الحدث ليطرح التساؤل عن «أهل الشر» داخل النظام ومؤسسات الدولة القائمة، التي لا تتوقف عن إحداث المشكلات وإنتاج أسباب الصراع وتصعيده. ولهذا يظل السؤال مشروعا عن السبب الحقيقي وراء ما حدث، والفشل في إنتاج الحدث وإخراجه من خلال البيانات المرتبطة بوزارة الداخلية، أو المنتمين لها، التى تحركت بين النفي وطرح رواية مغايرة للاعتراف الجزئي، من دون اعتذار ومن دون اعتراف بوجود أخطاء.
بشكل ساخر يبدو الحدث وسيلة الداخلية لتدشين إنجازات في لحظة تاريخية تدرك أنها ستنال الاهتمام وتسجل اسم مصر في سجل انتهاكات الصحافة، واسم النظام في سجل أول انتهاك لنقابة الصحافيين، ولكن في العمق هي جزء من معركة القمع مقابل الحرية، والسلطة مقابل الكلمة، والحق في المعرفة مقابل الصوت الواحد، والحق في الاختلاف مقابل سياسة القطيع والسمع والطاعة التي لا تصلح في السلطة والحكم. تبدأ المعركة بالتنازل عن الجزر، وتنتقل لمحاسبة من يدافع عن مصريتها لتصل لمقر بيت الكلمة والمدافع عن أصحابها لترسل رسالة محتواها، ألا أحد مصان ولا مؤسسة محمية بقانون أو دستور. بهذا المدخل أتعامل مع حدث النقابة، فالمكانة للقيم والوطن والقيمة هنا هى الحرية ولا وطن بدون حرية ولا ديمقراطية بدون حرية ولا كرامة بدون حرية وديمقراطية.. سلسلة طويلة من القيم تبدأ بالكلمة وتقتضى الدفاع عن بيت الكلمة وكلمة القانون والدستور من أجل وطن أكثر حرية وديمقراطية وكرامة.