احتفلت الأمم المتحدة هذا الأسبوع بمرور 25 سنة على التوقيع على اتفاقية حقوق الطفل يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، حيث تهافتت الدول صغيرها وكبيرها للانضمام إلى تلك الاتفاقية، فدخلت حيز التنفيذ في 2 أيلول/سبتمبر 1990، وهي مسافة زمنية قصيرة جدا قياسا مع بقية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. لقد و صل عدد الدول الأعضاء في الاتفاقية الآن إلى 194 دولة، ولم يبق خارج الاتفاقية إلا ثلاث دول هي، الولايات المتحدة والصومال وجنوبالسودان. وقد انضمت كافة الدول العربية إلى الاتفاقية وآخرها فلسطين. والحقوق التي تتضمنها المعاهدة في بنودها الأربعة والخمسين مهمة ومترابطة وتنفيذها ملزم ولا يجوز الانتقائية في التنفيذ، لأنها تؤسس لنمو طبيعي للأطفال في بيئة طبيعية يتقاسم فيها المسؤولية البيت والدولة والمدرسة والمجتمع.. ولائحة الحقوق التي تتضمنها المعاهدة لا تفرق بين طفل وآخر، على أساس المكان أو الزمان أو الأهل أو اللون أو الدين أو العرق أو الأصول أو الجنس، ذكرا كان أم أنثى، أو المستوى الاجتماعي أوالثقافي أو الاقتصادي. وقد لحق بالاتفاقية بروتوكولان اختياريان دخلا حيز التنفيذ بتاريخ 25 أيار/مايو 2000. البروتوكول الأول يتعلق بحماية الأطفال في مناطق الصراعات المسلحة، خاصة من التجنيد القسري، والثاني يتعلق بحماية الأطفال من البيع والبغاء والاستغلال في المواد الأباحية. وقد انضم إلى البروتوكولين 150 دولة. كما أضيف بروتوكول ثالث يتعلق بحق الأطفال بتقديم الشكاوى ضد من ينتهك حقوقهم وبطريقة مباشرة للجنة حقوق الطفل، وقد تم اعتماده في كانون الأول/ديسمبر 2011 وأصبح نافذا بتاريخ 14 نيسان/أبريل 2014. وتقوم لجنة مكونة من 18 خبيرا دوليا بمراقبة سلوك الدول الأعضاء، فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاقية. وسنستعرض عينة من الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال، خاصة في منطقتنا العربية.
إنجازات وانتهاكات
لقد تغيرت معاملة الأطفال، وعددهم الآن 2.2 مليار طفل، في معظم دول العالم بعد الاتفاقية. فقد حسمت مسألة العمر ومسألة التجنيد ومسألة العقوبات ومسألة الحقوق والواجبات. وتم إنقاذ نحو 90 مليون طفل كانوا سيقضون قبل سن الخامسة لو بقيت نسبة التطعيم والعناية الصحية والصرف الصحي والمياه الصالحة للشرب على النسب كما كانت عليه عام 1990. كما تضاعفت نسب الانخراط في المدارس الابتدائية حتى في أفقر الدول التي كانت لا تتجاوز 53٪. كما أن التحسن العالي في تغذية الأطفال أدى إلى انخفاض التقزم بنسبة 37٪ حسب تقارير اليونسيف.
لكن انتهاكات حقوق الأطفال ما زالت منتشرة في كثير من دول العالم، رغم توقيع تلك الدول على الاتفاقية. فقد توفي 6.6 مليون طفل عام 2012 لأسباب كان يمكن تلافيها، و11٪ من البنات يتزوجن قبل سن 15 سنة، كما تصل نسبة عمالة الأطفال إلى 15٪ في العالم. وتعتبر عمالة الأطفال وتنفيذ حكم الإعدام والسجن المؤبد على الأطفال وتعرضهم للعنف على رأس قائمة انتهاكات حقوق الأطفال على مستوى العالم. ولنأخذ بعض العينات:
الهند: يتراوح عدد الأطفال «العمال» دون سن الثالثة عشرة بين الحد الأدنى المقر به 12 مليونا إلى الحد الأقصى 60 مليونا حسب منظمات حقوق الإنسان. وقد بدأت الهند تخطو خطوات جادة في تجريم عمالة الأطفال، إلا أن الظاهرة منتشرة شعبيا، بل مقبولة من كثير من العائلات الفقيرة.
الولايات المتحدة: لعبت الولايات المتحدة دورا أساسيا في صياغة الاتفاقية وحشد الدول للتوقيع عليها، لكنها لم تصادق عليها إلى الآن، رغم أنها وقعت عليها بتاريخ 16 شباط/فبراير1995. ويرجع السبب في عدم المصادقة إلى البند 37 الذي يحرم الإعدام أو السجن المؤبد لليافعين دون سن 18 سنة. ومع أن المحكمة العليا أقرت عام 2005 بلا دستورية الإعدام والسجن المؤبد، إلا أن التجاذبات الحزبية ما زالت تقف حجر عثرة على المصادقة على الاتفاقية. وقد وصف الرئيس أوباما عدم المصادقة بأنه «مخجل» ووعد بالعمل على التصديق إلا أنه لم يتمكن.
إيران والسعودية: انضمت رسميا إيران إلى الاتفاقية عام 1994 والسعودية عام 1996. وكلا البلدين سجلا تحفظات متشابهة على الاتفاقية. والنص الإيراني يقول»في حالة تعارضت نصوص الاتفاقية مع القوانين المحلية أو المعايير الإسلامية، فإن الحكومة الإيرانية لن تلتزم بما ورد في الاتفاقية». وثبتت السعودية تحفظها كتابة حول «كل ما يتعارض في الاتفاقية مع القوانين الإسلامية». وعند مراجعة اللجنة لمعاملة الأطفال في السعودية عام 2005 أدانت بشدة قيام السعودية بتنفيذ حكم الإعدام على من هم دون الثامنة عشرة، واعتبرت تلك الممارسات «انتهاكا خطيرا للحقوق الأساسية للطفل».
ويتكرر المشهد مع إيران التي تحتل المرتبة الثانية بعد الصين في عدد الإعدامات السنوية بما في ذلك الأطفال. وقد تعرضت إيران للعديد من الانتقادات بسبب تلك السياسة فقام البرلمان الإيراني في 10 فبراير 2012 بتغيير القانون القديم الذي كان يعتبر البنت في التاسعة والولد في الخامسة عشرة مسؤولين عن أعمالهما، وتم رفع السن القانوني إلى 18 سنة بالحساب الشمسي.
إسرائيل: لا يوجد في العالم مثل هذه التي تسمي نفسها واحة للديمقراطية. فالأطفال الفلسطينيون هم من دون السادسة عشرة بينما الإسرائيليون دون سن الثامنة عشرة. وإن كان هذا التمييز عنصريا في أساسه، إلا أنه اعتراف ضمني بنمو الرجولة في أطفال فلسطين مبكرا. وإسرائيل رفضت تشكيل لجنة محلية لمراقبة تنفيذ بنود الاتفاقية، التي صدقت عليها عام 1991. كما أن إسرائيل تعتبر الاتفاقية تنطبق فقط على أطفال إسرائيل ولا تنطبق على أطفال الضفة الغربية وقطاع غزة، كي تسهل عملية قتلهم بدم بارد، كما فعلت عام 2008/2009 و 2012 و 2014. وقد انتقدت لجنة حقوق الطفل إسرائيل لقيامها بقصف المنازل في غزة «فتدمير المنازل وإلحاق الضرر بالمدارس والشوارع والمرافق العامة يلحق الأذى بالأطفال، وهذا انتهاك كبير لبنود اتفاقية حقوق الطفل».
أطفال سوريا والعراق وفلسطين واليمن وليبيا
بينما تحاول دول العالم أن تحل مشاكل الأطفال المتعلقة بسوء التغذية والتطعيم والعمالة المبكرة والعنف الأسري وتأمين المدرسة والعيادة، يقع آلاف الأطفال في عدد من الدول العربية ضحايا الحروب المحلية أو الحروب مع أعداء الوطن والإنسانية. فسوريا بلد الخير والتسامح والحضارة يتعرض الأطفال فيها إلى كل أنواع القهر والموت والتشريد والاقتلاع، كما لم يتعرض له شعب منذ حرب الإبادة في رواندا عام 1994. وحسب تقرير ليلى زروقي، المقررة الخاصة بالأطفال في مناطق الصراعات المسلحة، فإن واحدا من بين كل ثلاثة أطفال سوريين تعرض للعنف المباشر (ضرب أو ركل أو إطلاق نار أو تعذيب). وقد بلغ عدد القتلى من بين الأطفال ما يزيد عن 10000 طفل.
ومن بين 12.2 مليون سوري بين مشرد ولاجئ ومحاصر يوجد 5.08 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات طوارئ. وتؤكد زروقي أن 70٪ من أطفال سوريا الآن لا يذهبون إلى المدارس. ويؤكد التقرير أن كافة الأطراف بلا استثناء ألحقت الأذى بالأطفال بشكل أو بآخر. بعض الأطفال حتى في سن الحادية عشرة سجنوا في مراكز الاعتقال لدى النظام وعذبوا وتعرضوا للاعتداءات الجسدية والجنسية. كما قامت الحركات الإرهابية مثل «داعش» وأطراف المعارضة أيضا مثل الجيش الحر بانتهاك حقوق الأطفال وتعريضهم للخطر، خاصة التجنيد القسري والتعذيب والإعدام الفوري وإجبارهم على تعلم مواد يفــــرضها الفصيل. مأساة أطفال سوريا لا يمكن وصفها بالكلمات فقد تجاوزت حدود الوصف وحدود العقل وحدود الهمجية.
فحتى لو توقفت الحرب غدا فإن إعادة لملمة شظايا جيل شرد من بيوته ومدارسه وقراه ومدنه يحتاج إلى عقد من الزمان لتجاوز الجروح العميقة التي خلفها فقد الأهل والتشرد والإصابة والاقتلاع.
ما يجري في سوريا ينطبق على العراق واليمن وليبيا، وإن بدرجات مختلفة فالحرب هي الحرب وفي كل حروب العالم يكون الأطفال والنساء أولى ضحاياها.
أما غزة فهي مستودع أطفال. فمن بين سكان القطاع البالغ عددهم 1.8 مليون يوجد نحو مليون دون سن الثامنة عشرة. وهولاء لم يعيشوا حياة طبيعية على الإطلاق، حيث عاصر بعضهم أربع حروب. فمن ولد مثلا بتاريخ 2000 يكون قد مرّعلى وعيه عملية «غيوم الصيف 2006» وعملية «الرصاص المصبوب» 2008/2009» وعملية «عامود السحاب» 2012 وعملية «الجرف الصامد» 2014. أضف إلى هذا سنوات الاحتلال الـ47 وسنوات الحصار الصارم منذ 2007، ثم الحصار المحكم الذي يفرضه النظام المصري من جانبه، بعد تدمير الأنفاق وخلق منطقة عازلة، وعلى وشك إعلان كتائب القسام حركة إرهابية، ومن ثم سيعلن «حماس» حركة إرهابية ثم سيعلن القطاع بكاملة قطاعا إرهابيا، حيث أصبحت هناك «موضة» لدى بعض الدول أن تصنف الجماعات التي تختلف معها على أي شيء بأنها حركات إرهابية. ومن يعلن أن مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية «كير» حركة إرهابية قد يأتي عليه يوم يصنف كل أطفال غزة إرهابيين، توطئة لاستكمال ذبحهم على أيدي محتليهم. لقد أودت الحرب الأخيرة بحياة أكثر من 520 طفلا و3463 جريحا وشردت أكثر مئات الألوف عاد بعضهم إلى بيوت مدمرة فافترشوا الأرض.. و60 ألفا ما زالوا في ملاجئ مؤقتة بانتظار العودة إلى مكان ما يظللهم من مطر أو برد. الغالبية الساحقة إن لم يكن جميع أطفال غزة ممن تكون لديهم الوعي، عاشوا تجارب عنف مباشر. وبالتالي لا يمكن أن يكون نموهم طبيعيا بدون علاجات نفسية بعيدة المدى. يقول مكارم ويبيسونو، مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة «لا يوجد في غزة طفل واحد لم يتأثر سلبيا بالحرب الأخيرة على القطاع. مثلا تبليل الفراش، الكوابيس، قلة النوم، فقدان الشهية، والميل للعنف في المدرسة». ويقول المقرر الخاص ما زالت غزة مفروشة بسبعة آلاف جسم غير منفجر مما يشكل رعبا يوميا للأطفال وآبائهم.
أي مستقبل ينتظر هؤلاء الأطفال؟ هل ننتظر من أطفال سوريا وفلسطين والعراق واليمن وليبيا ومصر ودارفور ولبنان أن يعيشوا طفولة عادية مثلهم مثل بقية الأمم التي تعمل على سعادة أطفالها. أجيال الإنترنت والتكنولوجيا وصحافة المواطن والمهارات اللامحدودة يقتلعون من بيوتهم أو تسقط على رؤوسهم القذائف والقنابل الفوسفورية والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية أو تتصيدهم السيارت المفخخة وسيوف العصابات الإرهابية. فهل بقي لهذه الأمة بعد هذا الخراب مكان «بين الأمم منبر للسيف أو للقلم؟» أليس هذا ما جناه علينا وعلى أطفالنا الطغاة العرب وشركاؤهم في الداخل والخارج؟