شهد لقاء لجان اتفاق السلام والمصالحة في مالي المنبثق عن مسار الجزائر الأخير في العاصمة المالية باماكو تطوراً قوياً ولافتاً في المشهد السياسي المالي، حيث اجتمع السياسيون الثوريين القدامى والسلطات المالية و الوساطة الدولية بقيادة الجزائر، وكانت الصورة العامة تحكي قصة توافق واضح بين هذه المكونات؛ ذلك لأن كثيراً من المراقبين للحدث يرون أن شَرذمة الحركات الأزوادية وعدم توافقها وانسجامها، كان سبباً من أسباب التراجع العام، وواحداً من المشكلات التي تواجه تحقيق نتائج إيجابية على كل مستويات تطبيق الاتفاق الموقع منذ أكثر من سنة، لذا فقد أدت اجتماعات بينية مسبقة إلى توافق نسبي، وإلى قوة الموقف وصلابة المطالب في نهاية المطاف الذي جمع قرار حركات منسقية الحركات الأزوادية وتجمع حركات بلاتفورم، ولذا تمت الموافقة على قرار أعمال السلطات المحلية المؤقتة في كل من: تين بكتو، قاوا، كيدال، تودني، منكا إضافة إلى انطلاق أعمال الدوريات المشتركة المنتظرة لتوفير الأمن في هذه المناطق.
بيد أن بعض الأزواديين ما زالوا إلى اليوم يرون أن دخول العسكريين الأزواديين على الخط مع الجيش المالي يمثل حالة من حالات خلط الأوراق، التي ستؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها، والأصل أن تحترم التخصصات، ويبقى كل في مجاله ومكانه، وبهذا تكون النتائج آمنة، والصلاحيات محددة مبينة، ويطرحون أسئلتهم التي تتصدرها واحدة، هل الجيش المالي سيدخل كيدال بعد هذا القرار؟
في المقابل إن قرار بدأ الدوريات المشتركة وعمل سلطات محلية مؤقتة يختلط فيها القانوني والمتمرد طبيعي جدا وقد تخلفه حالة مستقرة، لأن أن يكون الأمر كما هو في شمال مالي (أزواد) لا بد من مثل هذا التوافق، الذي سيؤدي إلى التنسيق القوي والتعاون المثمر، ويقضي على لغة الفرقة القائمة وتقاسم هَم المسؤولية في ساحة عمل تعاني كثيراً من الإشكالات والتعقيدات، والمسألة في النهاية دماء تراق، وبلد يهدم، وأرواح تزهق وفي وسط هذا التحدي الكبير تأتي هذه الخطوة الواقعية العملية التي تعتبر خطوة جبارة في تنفيذ السنيما الجزائرية عفوا اتفاقية الجزائر.
أما عن هؤلاء الذين يسألون عن دخول الجيش المالي لمدينة كيدال فأنا أقول لهم لاشك فيه ولا رجعة عليه فإن السلطات المؤقتة تابعة للدولة المالية وكذلك كيدال فهل من المعقول أن نسأل ما إذا كان الرجل سيدخل من منزله أم لا!؟
وبناء على هذا التوافق من خلال لقاء باماكو، اختارت الهيئة العليا لتطبيق الاتفاق أن يعقد لقاء عام في يوم 20 أو 21 من الشهر الجاري لتوقيع مستندات والقوانين التي ستعمل بها وعليها هذه السلطات.
وكان الاتفاق تقريبا على القبول ببدء أول بند في اتفاقية السلام والمصالحة في مالي والولوج إلى العملية السياسية، ضمن محددات أساسية تكون ثوابت لعملية إعادة الثقة بين الأطراف الموقعة.
ما قبل الاتفاق بين الطرفين:
كانت الحركات الأزوادية تتمسك بالبدء في حكم انتقالي مؤقت ولا مكان للدوريات المشتركة قبله، مع إعادة بناء السلطات وهيكلته، وتفكيك الأجهزة الأمنية وتأسيسها من جديد، ثم صناعة تعديلات جديدة في الدستور المالي، وفي ضوء ذلك تجري عملية الانتخابات المحلية بإشراف الأمم المتحدة.
أما النظام المالي، ومِن ورائه شركاؤه، فيصرون على أن الدستور خط أحمر، وبدأ الدوريات المشتركة قبل الخطوات التي قبلها، لأن الأمر لا يعدو تأسيس حكومة وطنية، ثلثها للنظام، وثلث للحركات، وثلث آخر للشعب وهنا بدا الاختلاف.
في ظل هذا جرت اجتماعات عديدة بتشابك غريب في طريق تطبيق الاتفاق والمداولات، ولما رأى ممثلي الحركات في اللجان أن النظام يعمل على كسب الوقت فقط، أخذت قرار تعليق مشاركتها في اللقاءات.
من نتائج تعليق المشاركة في لقاءات اللجان:
لقي قرار التعليق موافقة جميع الفصائل الأزوادية؛ من عسكريين وسياسيين، ووافقوا على هذه الخطوة وباركوها، وأعلنوا مساندتهم لها، وصدرت عدة بيانات تشي بهذا المعنى، وتشد على ألا يضعفوا بل يضغطوا حتى يخرجوا من عبثية الاتفاق إلى جدية الحل السياسي، الذي أعلنت قبوله هذه الفصائل، على شرط أن يحقق أهدافهم، ويلتزم ببعض مبادئهم الأساسية.
ومن اللافت أن هناك ضغطاً من دول عدة صديقة للحكومة المالية، مثل فرنسا التي أصدرت تصريحات صاروخية باتهام بعض إحدى الحركات الموقعة على الاتفاق بالتطرف والتعامل مع مجموعات إرهابية، والجزائر التي بدورها استدعت الأمناء العامون للحركات الأزوادية إلى عاصمتها وفعلت بهم ما فعلت لا ندري هل هو سكر أم ملح!.