نهاية الفلول

أحد, 2014-11-30 07:58
أبو العباس إبرهام

ظهرَ مصطلح الفلول في الثقافة الإسلاميّة ليصفَ حالة اجتماعية سياسية، وليس مجرد وضعية حربية سريعة، ثلاثَ مراتٍ على الأقل.

1ـ كان الفلول هم الطبقة الكادحة من الأقنان والمزارعين و"المُقاتلة" في خراسان في القرن الثاني الهجري. وقد قدم هؤلاء إلى خراسان في إطار الغزوات العربيّة. ويجب أن نتذكّرَ أن خُراسان فُتحت صُلحاً وبالتالي لم تُستبَحْ طبقتها الفارسية. وفقط في خراسان ظلّ الموالي حالة اعتزازية وافتخارية. وستكون خراسان مكاناً خصباً للشعوبية، أي القومية العجمية المتعاليّة والمغترّة بذاتها في العصر العبّاسي الأول. وهكذا لم يجد المقاتلون العرب وضعاً متفوقاً على الأرستقراطية القائمة، التي ستُعرَفُ بـ"الدهاقنة"، أي ملاك الأراضي (والتجار، لاحقاً). وهكذا بقيّ من عُرِفوا بـ"الفلول" من المقاتلين العرب و"شُذّاذ الآفاق"، الذين أتوا للبحث عن فُرص الغزو والفتح، في وضع دوني. وسيتحوّلون لاحقاً إلى بروليتاريا رثّة في أحواز خراسان حيث اشتغلوا مُكارين وقصّابين وأقنان وأجراء وسيكونون مددا للحركات الثورية الخراسانية من "المحمِّرة" و"الراوندية" و"الخداشيّة". باختصار كان الفلول حركة اجتماعية لها قضيّة هي قضية البحث عن العدالة والمساواة.

2ـ لقد ظهر مصطلح الفلول كتعبير عن حالة اجتماعية أيضاً في الأندلس، إذ سنجده يُطلق على النسيج الاجتماعي الباقي من محاولات المسلمين التمدُّد إلى فرنسا. وكما نعرف فإن محاولتي السمح بن مالك في تولوز ومحاولة عبد الرحمن الغافقي في بلاط الشهداء انتهت بمأساتين عسكريتين كبيرتين للمسلمين، الذي وصلوا إلى 130 كيلومتراً من باريس. يظهر مصطلح الفلول ليصف النسيج الاجتماعي الباقي من هذه محاولة، والذي تحوّل أهله إلى محاربين في العصابات القيسية واليمانية والبربرية التي أثارت القلاقل في الأندلس لردح. إن الفلول هنا هم حالة من المغامراتية والتقطّع والتبعثر في الحظوظ السياسية.

3ـ لقد ظهر مصطلح "الفلول" الثالث كتعبير عن العجز الفكري للصحافة العربية ومجتمع صانعي الآراء، الذين استنقذوا المصطلح العامي المصري الظريف لوصف نشطاء الحزب الوطني المُباركي. ولقد كان هذا الوصف يحوي حالة انتصاروية غير مبرّرة، لأن أحداث ما بعد 25 يناير 2011 لم تكن تُحيل إلى هروب النظام القديم، بل إلى تمكُّنه. وكان كثيرٌ من القوى السياسية، التي لم يكن الكثير منها ثورياً بالمرة يُنافق للمال القديم، الذي كان يُجري قواعد اللعبة. كانت ثورة يُناير قد وسّعت المشاركة السياسية قليلاً ولكنّها تركت من وُصفوا بـ"الفلول" في وضع مُريح لأنهم من يضمن العقد التاريخي مع الرأسمالية العالمية ولأنّهم مهمُّون في لعبة فرّق تسُدْ. ولقد كان مصطلح "الفلول" سخيفاً ليس فقط لأنه استخدم في الكسل الفكري والإقصائية والارتهان للعاميّة اللانقدية، بل لأنه كان يُمَسكِنُ من لم يكونوا فلولاً، بل كانوا طليعة، طليعة باغية وظالمة.

اليوم بانتصار السلطان مبارك يجب إعادة المصطلحات إلى نصابها: نحنُ هم الفلول.

يتواصل النضال.