السوريون في تركيا

خميس, 2016-07-07 09:57
بكر صدقي

قال رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان إن حكومته ستقوم بمنح الجنسية التركية للاجئين السوريين على الأراضي التركية.
بالنسبة للاجئين السوريين، شكل هذا الوعد صدمة غير متوقعة. صحيح أن وضعهم الحالي الذي يعيشون في ظله هو وضع ملتبس، يسبب لهم الكثير من المشكلات والعوائق في حياتهم اليومية، وقد يكون الحصول على الجنسية التركية مخرجاً منها، لكن الخبر ينطوي أيضاً على تحفيز مشاعر اليأس من احتمال حل سياسي قريب للمشكلة السورية من شأنه أن يعيد إليهم الأمل في العودة إلى ديارهم، ولو بعد بضع سنوات.
وإذ جاء كلام أردوغان بعد أيام قليلة من تطبيع علاقات أنقرة مع كل من إسرائيل وروسيا، فقد أثار مخاوف أكبر بصدد تفاهم روسي ـ تركي محتمل حول حل سياسي للمشكلة السورية، يتضمن توطيناً نهائياً لملايين السوريين في تركيا، يستكمل التجريف السكاني الذي قام به نظام الأسد الكيماوي في إطار مخطط لتغييرات ديموغرافية كبيرة تغيّر البنية السكانية لسوريا بصورة نهائية. بالمقابل، أثارت تصريحات أردوغان بشأن منح الجنسية التركية للسوريين، موجة ردود أفعال سلبية في الرأي العام التركي قد تفوق موجات العداء المتفرقة التي حدثت، في السنوات السابقة، وتمثلت في اعتداءات على لاجئين سوريين في مختلف المدن والمناطق التركية. فقد حاز هاشتاغ «لا نريد السوريين في وطننا» على شعبية كبيرة جداً، واحتل المرتبة الأولى في عدد المشاركين فيه، بعدما انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم. هذا مؤشر خطر للغاية من العداء للأجانب وكراهية المختلف، قد ينتقل من العالم الافتراضي إلى الواقع العملي في صورة اعتداءات جديدة على اللاجئين السوريين، كنا قد نسيناها بعدما هدأت طوال السنة الماضية.
ويثير قرار منح الجنسية، إلى ذلك، ردود أفعال سياسية قائمة على مخاوف المعارضة من نوايا الحكومة بهذا الصدد. ما كان يحكى سابقاً كمخاطر افتراضية، تحول مع القرار الجديد إلى مخاطر حقيقية بالنسبة لمعارضي أردوغان والحكومة. ففي جولتي الانتخابات العامة، في حزيران وتشرين الثاني 2015 على التوالي، اتهمت أحزاب المعارضة الحكومةَ بأنها ستمنح حق الانتخاب للاجئين السوريين لتكسب ملايين الأصوات لمصلحة الحزب الحاكم. كان هذا اتهاماً مضحكاً حقاً في ذلك الوقت، وليس له أي أساس معقول. أما اليوم، وبعدما كشفت الحكومة عن بعض تفاصيل مشروع تجنيس السوريين، وخاصةً خفض سنوات الإقامة المتصلة، كشرط من شروط منح الجنسية، من خمس سنوات إلى ثلاث سنوات أو حتى سنتين، فقد تحولت هواجس المعارضة الخيالية إلى حقائق. نعم، الرجل يريد زيادة عدد المصوتين لحزبه لضمان غالبية برلمانية بشكل مريح طوال سنوات قادمة، بعدما ضمن موالاة القطاع الاجتماعي الموالي بصورة نهائية مهما حدث من تقلبات في السياسة والاجتماع التركيين. وهذا ما يشكل كابوساً لا مخرج منه بالنسبة لمعارضي أردوغان المشتتين.
لا يتسع المجال هنا للحديث عن مسؤولية تلك المعارضة عن غياب أي بديل مقنع في السياسة التركية، بما في ذلك خطابها السلبي تجاه اللاجئين السوريين طوال السنوات الخمس الماضية. فلو كانت هذه المعارضات أكثر إيجابية من الحكومة في مقاربة لمسألة اللاجئين السوريين، لما خافت اليوم من أن أصوات «الجالية السورية» بعد التجنيس ستذهب بصورة تلقائية إلى حزب العدالة والتنمية. وثمة مخاوف خاصة لدى كرد تركيا وعلوييها من موضوع التجنيس، إضافة إلى المخاوف العامة المذكورة. وهي تتمثل في هاجس التغيير الديموغرافي داخل تركيا عن طريق توطين السوريين الذين ينتمون، بغالبيتهم الساحقة، إلى العرب السنة من شمال سوريا (حلب وإدلب والرقة ودير الزور..). ففي تسعينات القرن الماضي أحرق الجيش التركي آلاف القرى الكردية ودفع بسكانها إلى النزوح غرباً. كما شهدت بعض مناطق العلويين، شرق الأناضول، نزوحاً مماثلاً بعد مجازر طائفية تعرضوا لها في أواخر السبعينات، أبرزها مجزرة مرعش. وفر كثير من الكرد والعلويين إلى أوروبا منذ ذلك الحين، هرباً من بطش السلطة الانقلابية للجنرال كنعان إيفرين. واليوم تشهد المناطق الكردية موجات نزوح كثيف، منذ عودة الحرب بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني في شهر تموز/يوليو 2015، تعد بمئات الآلاف ممن اضطروا إلى ترك بيوتهم في مدن دمرتها الدبابات الحكومية.
يخشى الرأي العام الكردي من توطين اللاجئين السوريين في تلك المناطق التي هجِّرَ سكانها الكرد، سواء في تسعينات القرن الماضي أو خلال السنة الأخيرة، خاصةً إذا عرفنا أن سياسة التغيير الديموغرافي التي ورثتها جمهورية أتاتورك عن حكومة الاتحاد والترقي، هي من ثوابت التراث السياسي التركي، وتسببت بكوارث إنسانية للأرمن والروم والكرد وغيرهم. وهكذا من شأن قرار تجنيس السوريين أن يؤسس لعداوات جديدة بين فئات اجتماعية تركية والوافدين الجدد. وحتى لو لم يحدث ذلك، فإن من شأن انتشار شائعات بهذا الخصوص أن يتسبب في كوارث اجتماعية لا يتمناها أحد. وهناك مؤشرات أولية في هذا المنحى: فبعد اتفاق الحكومة التركية مع الاتحاد الأوروبي على إعادة اللاجئين الذين وصلوا إلى اليونان، بدأت عودة الدفعات الأولى من هؤلاء، وقررت الحكومة بناء مخيم لهم قرب بلدة بازارجك التي يتألف مجتمعها المحلي من علويين وكرد. قام سكان هذه البلدة والقرى المجاورة باحتجاجات أعلنوا فيها رفضهم لتوطين اللاجئين السوريين قرب مناطق سكنهم. ويتخوف علويو تلك المنطقة من أن مخيم اللاجئين سيكون مقراً لجهاديي النصرة وداعش. لا يهم، في مثل هذه الحالات، مدى معقولية تلك المخاوف. فقد رأينا، قبل أيام فقط، كيف تفعل فعلها في التحريض ضد اللاجئين السوريين في لبنان، في أعقاب الهجمات الإرهابية في بلدة القاع. في الإجمال، تبدو تحولات السياسة الخارجية التركية ـ وهي متمحورة حول المشكلة السورية ـ مثيرة لمخاوف كثيرة، سورية وتركية، بانتظار انكشاف كامل أبعادها غير المنظورة الآن. وفي القلب من تلك التحولات تبرز علاقة الود المستعادة مع روسيا، وتبدو اليوم كقطار مندفع بسرعة مدوِّخة.