دعوتُ -قبل أيام- عبر برنامجى «الطبعة الأولى» على «قناة دريم» إلى التفكير فى استضافة مصر للسيد «فتح الله جولن» فى حال قيام الولايات المتحدة بترحيله من أراضيها.
ولقد فوجئتُ بحجم الهجوم الذى واجهتُه من «الأردوغانيين العرب».. وهو هجومٌ لا تفكيرَ ولا عقلَ فيه. لقد قام بتحويل دعوتى التى بنيْتها على أسس إنسانية وأخلاقية إلى كونها محاولة لإغاظة أردوغان!
(1)
تمتّع «فتح الله جولن» باحترام واسع فى أوساط الإسلاميين.. وجرى تقديمه دوماً باعتباره من رموز الحركات الإسلامية ذات المكانة الرفيعة.. وكانت «جماعة الإخوان» تعلن تقديرها وتأييدها لمكانتِه العلميّة والدعويّة.. ولمجْمل مشروعِه داخل تركيا وخارجها.
واليوم.. انقلبَ الوضع تماماً.. أصبح «جولن» رجل المخابرات الأمريكية.. ورأس الطابور الخامس.. وعدو الإسلاميين، وأكبر خصوم الدين والدولة فى تركيا.. وأكبر دعاة كسر النظام الإسلامى فى العالم!
كانت الحركات الإسلامية تمتدح «جولن» وتعدِّد مناقبه، وتروى قصصاً عديدةً عن علمِه وزهده.. كانوا يتحدثون عن «جولن.. رجل العلم»، الذى ألّف أكثر من ستين كتاباً.. تمت ترجمتها إلى أكثر من ثلاثين لغة.. ورجل التقوى الذى يختم تلاوة القرآن الكريم مرة كل ثلاثة أيام فى شهر رمضان.. ليأتى عيد الفطر.. ويكون جولن قد خَتَمَ القرآن فى شهرٍ واحدٍ «عشر مرات»..
وعن رؤيتِه للدعوة الهادئة الهادفة.. والتى تُمثّلها كلمة واحدة فى القرآن الكريم.. فى سورة الكهف: «وَلْيَتَلَطَّفْ».. ليصبح «التلطُّف» فى الدعوة.. منهجاً شاملاً للدعاة إلى الله.. وطريقاً واحداً لبناء الأمّة.
كانت الحركات الإسلامية.. توالى المديح تلو المديح، والتقدير وراء التقدير.. والانبهار بعد الانبهار.. وكان الحديث عن «فتح الله جولن» يقارب الحديث عن أئمة الإسلام فى القرون الأولى.
(2)
لقد تغيّر ذلك كله.. فقط من أجل الصراع على الدولة. انهار ذلك كله.. فقط من أجل الحُكم السياسى وشهوة السلطة. تحوّل الذين كانوا يقودون ذلك بالأمس إلى كلام آخر.. وقولٍ مناقضٍ.. إنها محنة «الإسلاميين ضدّ الإسلاميين».
كان أردوغان تلميذاً وصديقاً وشريكاً لفتح الله جولن.. ثم اختلفت المصالح على السلطة والسطوة.. فكان الصِدام بين الطرفين.. ثم زاد الصدام بحيث اتسعت المسافة بين الحليفين.. لتصبح حرباً مفتوحة.. وبلا حدود!
(3)
كان حجم الهجوم الذى واجهته حين دعوتُ لبحث استضافة «جولن» فى مصر.. كاشفاً عن حجم الحقد والكراهية لدى الإسلاميين حين يختلفون مع الإسلاميين.. ولدى فصيلٍ حين يصطدم مع فصيلٍ آخر.. وهو ما شرحته مطولاً فى كتابى «الجهاد ضد الجهاد».. عن تلك الجماعات والحركات.. التى تحارب نفسها باسم الله.. وكل جماعة تلعن أختها، وكل حزب بما لديهم فرحون.
(4)
إن دعوتى لدراسة استضافة «جولن» عندنا.. أساسها.. حمايةُ شخصيةٍ لها مكانتُها من حكم إعدامٍ ينتظره فى بلاده.. دون سندٍ أو دليلٍ.. ودون يقينٍ أو اعتراف.
لم أدعُ إطلاقاً إلى استخدامه كورقةٍ ضدّ أردوغان.. ولكننى دهشتُ من الذين يرونه خائناً.. ويفضِّلون أن يبقى ورقةً فى أيدى واشنطن دون أن يكون ورقةً فى أيدى القاهرة.
إن «جولن» ليس مجرد ورقة.. وهو شخصٌ صاحب مشروع.. ويمكن الاتفاق والاختلاف معه حول مشروعه الاجتماعى والسياسى.. ولكن المؤكد أن الهجوم «الإسلامى» على الداعية «الإسلامى».. واقتحام المكتبات التى تبيع كتبه وتدميرها بالكامل.. كان صادِماً ومفزعاً.. للذين تعلموا فى حصّة التربية الدينية فى الصف الأولى الابتدائى.. أن «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وأن من آيات المنافق «إذا خاصمَ فَجَرَ».