
لا شك أن المكتبة العربية ستزدان بصدور كتاب "السراب" لمؤلفه الكاتب والمفكر الإماراتي الدكتور جمال السويدي الذي تناول فيه واقع الجماعات الإسلامية السياسية ومستقبلها بالتحليل والدراسة.
استطاع المفكر جمال اسويدي من خلال الكتاب أن يحدد مفهوم الإسلام السياسي، والعلاقة التاريخية بين الدين والسياسة، قبل أن يعرف الجماعات الدينية السياسية (الإخوان، السلفيون، السروريون، التنظيمات الجهادية)، ويعد استطلاعا ومسحا ميدانيا لاتجاهات الرأي في عدة دول عربية حول هذه الجماعات.
تاريخ الجماعات
تناول المؤلف تاريخ هذه الجماعات من نشأتها وحتى ما وصفه ب "فشل تجربتها في الحكم" مقارنا بينها وبين مرحلة التخلف في القارة الأوربية إبان القرون الوسطى؛ وأفكار الجماعات الدينية السياسية وممارساتها في العالمين العربي والإسلامي في العصر الحديث، من حيث البنية الفكرية والسياسية وعلاقة الدين بالسياسة ودور رجال الدين في الحقبتين.
وبين الكاتب أن فكرة فصل الدين عن السياسة والاقتصاد والاجتماع كانت سبيلا للقارة الأوربية نحو التقدم العلمي والارتقاء الإنساني، يمكن أن يحقق ذات النتائج والأهداف؛ مشددا على أنها "ليست كفرا أو إلحادا، والدولة المدنية يمكن أن تحل العديد من المشكلات الاجتماعية الناتجة مما يسمى "توترات الهوية" عند المسلمين" حسب تعبير المؤلف.
شعار الحاكمية
وفند المؤلف من خلال الكتاب شعار "الحاكمية" الذي رفعته هذه الحركات كاشفا النقاب عن أن أغلب الفقهاء يتفقون على أن هذا المبدأ الذي لم يرد في أي آية في القرآن أو في أي من الأحاديث النبوية بل إنه حسب الكاتب يؤسس لنظام حكم ثيوقراطي (ديني) مستبد، يضفي نوعا القداسة على سلطة الحاكم الذي سيزعم عندئذ أنه يطبق شرع الله ويستمد أحكامه منه.
ويضيف أن خلط هذه الجماعات بين الدين والسياسة، جعلها توظف الأول لخدمة الثاني، وهو ما يعد أحد أسباب تطرفها، وعدائها لمخالفيها في الرأي ، وهو ما أدى بها إلى أن تجعل نفسها حكما ورقيبا وقاضيا على أي فكر مغاير، وهو ذات المنطق الذي أدى إلى ظهور محاكم التفتيش الأوربية إبان عصور الظلام، حيث انطلقت فكرة هذه المحاكم من رؤوس رجال الكهنوت، وكانت وظيفتها تطبيق نصوص الإنجيل كما فسروها، ملاحقة كل من يخالفهم الرأي.
وتوقف الكتاب عند الأخطاء التي ارتكبتها عندما جنحت إلى اعتماد تفسير حرفي للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وفق قاعدة عموم اللفظ وليس خصوص السبب الذي نزلت من أجله هذه النصوص الشريفة أو ذكرت في سياقه، بما يعبر عن وجود إشكالية العلاقة بين المقدس والدنيوي، وبين النص والواقع، أو ثنائية النص والعقل، وهو ما أدى بها في نهاية المطاف إلى منزلقات خطيرة استباحت فيها الدماء.
الاخوان والتناقض
المفكر جمال اسويدي وفي حديثه عن أكبر وأقدم حركات الإسلام السياسي رأى أن طموح الإخوان المسلمين نحو الوصول إلى السلطة بعد أحداث الربيع العربي مثل أوج الانتهازية السياسية التي تقودها المصلحة بعيدا عن الثوابت والمبادئ، مؤكدا على أن التجربة السياسية المصرية للإخوان انطوت على براهين واضحة تعكس تدني قدرات الجماعة على مستوى القيادة والتخطيط وإدارة شؤون الدول، وعلى مستوى الكفاءات والكوادر التي يمكن إسناد المناصب إليها دون قلق أو خوف على مصائر الدول.
ويضرب المؤلف مثلا لما ذهب إليه بتقلب مواقف جماعة الإخوان المسلمين في مختلف الدول العربية حيال بقية التيارات السياسية بشكل يستحق الرصد والمتابعة، فتارة يرفعون شعار" مشاركة لا مغالبة"، ثم لا يجدون حرجا في الانقلاب عمليا عليه ومحاولة الانفراد المطلق بالحكم في تعبير واضح عن شهوة السلطة والنزعة الدكتاتورية التسلطية حسب تعبيره.
ويؤكد المؤلف على أن تجربة حكم الجماعة في جمهورية مصر تحديدا وما آلت إليه الأمور فيها ستفرز نتائج بعيدة المدى على مسيرة الجماعة لكون هذه التجربة حدثت في الدولة التي شهدت تأسيس وتمدد الجماعة وانتشرت منها إلى عشرات الدول في العالمين العربي والإسلامي فضلا عن كونها تجربة ذات بعد استثنائي قياسا على أنها جرت في أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان.
موجهات للحرب على الإرهاب
يؤكد الدكتور جمال السويدي، أن الصراع الذي تخوضه العديد من الدول في مواجهة الفكر المتشدد أو المتطرف، لا ينبغي أن يكون محصوراً في نطاق أمني وعسكري، لأنه "حرب ممتدة ذات طابع فكري في الأساس». ويوضح ذلك قائلاً: «بل يمكن القول إن شقها (الحرب) الفكري، يتطلب تخطيطاً بعيد المدى لا تقل أهميته، بل ربما تفوق، أي معالجات خططية على الصعد الأمنية والعسكرية".
ومن هنا يطرح الكاتب أهمية البحث العلمي في حماية الأمن الوطني للدول والمجتمعات، عبر نقاشات علمية جادة للتحديات والتهديدات، وتفكيكها وتحليلها، وطرح البدائل والحلول اللازمة لمعالجتها. وفي هذا السياق، يتناول الباحث ظاهرة الجماعات الدينية السياسية، من زوايا متعددة، فكرية وسياسية وعقائدية واجتماعية، مركزاً على الفكر الديني السياسي بشتى تجلياته وجماعاته.
ويؤكد الدكتور جمال أن الجماعات الدينية السياسية "ليست وجهاً آخر للإسلام الحنيف ولا تعبر عنه"، مشدداً على أن "الاستسلام لهذه الجماعات إساءة للدين". ويقدم الكاتب رؤية بحثية معمقة للجماعات الدينية السياسية، متتبعاً تاريخ هذه الجماعات، ودراسة حالة بعضها منذ بدايتها حتى فشل تجربة حكم جماعة "الإخوان المسلمين" في بعض الدول العربية والإسلامية.
استقصاء في البحث
وبما أن الدكتور خريج أعرق الجامعات الأمريكية حيث تخرج من جامعة ويسكونسن الأميركية. ويشغل منصب المدير العام لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية منذ تأسيسه؛ وهو أستاذ للعلوم السياسية في كل من جامعة الإمارات وجامعة ويسكونسن؛ وعضو في المجلس الاستشاري لكلية السياسة والشؤون الدولية في جامعة مين الأميركية، وفي المجلس الاستشاري لمركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون.
اختار أن يكون البحث مستندا على معلومات موثقة استقصائية ميدانية فقد أجرى المؤلف استطلاعا لاتجاهات الرأي حول هذه الجماعات شارك فيه مواطنون من 11 دولة عربية خلال العامين 2010-2011، وخلص إلى تأييدهم لفصل الدين عن السياسية؛ رغم أن أغلب أفراد العينة يعتبرون أنفسهم متدينين.
ويعتبر المؤلف من كبار الكتاب والمفكرين العرب وقد صدرت له مؤلفات منها: "آفاق العصر الأميركي: السيادة والنفوذ في النظام العالمي الجديد"، "وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في التحولات المستقبلية: من القبيلة إلى الفيسبوك".