حركة الاحتجاج في مركز مال الإداري

أربعاء, 2016-08-31 10:32
إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا

حركة الاحتجاج اليوم في مركز مال الإداري لا ينبغي أن تمر على صانع القرار مر الكرام.
سيقولون إنهم قرويون من المفروض أنهم بداة "متخلفون" يخافون الحكومة والسلطة والقوة العمومية، وسيقال إنهم شرذمة من الذين ضلوا الطريق ،والواضح حسب المعلومات الأولية أنهم شباب يقضون عطلتهم الصيفية في ربوع الجدات في أرض إذا أمطرت تحولت إلى جنان لا يبغي بها ساكنتها بدلا.
أحس هؤلاء الشباب بالصعق من تردي الخدمات الضرورية التي توجد في أحياء الترحيل وأقاصي انواكشوط، لم يتحملوا انقطاع الماء والكهرباء والانترنت، فأرادوا بعيدا عن النظم والأطر التقليدية أن يعبروا بطريقتهم عن الاحتجاج.
ليس الأمر بحد ذاته سيئا بل هو ظاهرة صحية وإن اختلفنا في التفاصيل، لكننا في موريتانيا أمام واقع ديمغرافي ومطالبي لن يكتب للإدارة فيه النجاح إلا بالمصداقية.
إداريونا في الداخل يجب أن يراقبوا المولدات الكهربائية وحالتها، والمخابز والمسالخ والمدارس وخزانات المياه وشبكة الطرق، والمرافق العمومية .
ولا ينشغلوا بغير تلك الأشياء، الحاكم أو الوالي أو رئيس المركز الإداري فينا ليس منتخبا ولامنة له على الشعب، لكن بالمقابل هو موظف عمومي سام يمثل الحكومة و يتلقى راتبه من الشعب .
لم نعد في زمن يكون فيه "كوماند سركل " صعب اللقاء فظ القول مخوفا مهولا يوزع الإسعافات والقطع الأرضية ويسجن ويوقف المهرجانات والأعراس ويبتز الفرقاء المحليين داخل الحزب الحاكم ويملؤ صناديق الاقتراع ويحسن صياغة التقارير الأمنية (BR) حول أصدقائه ، بل نحن في زمن آخر وأعمار أخرى وطرق أخرى للتعبير. جيل جديد من الإداريين والمدارين يملكون الواتساب والهواتف الذكية وينضوون تحت لواءات مطلبية شتى، وتسكنهم هواجس مختلفة عن سالفيهم.
شغب في مال أو في غيرها وفيديوهات على شبكة الانترنت ، وتبدأ التدوينات والتعليقات والتعاطفات والاستنكارات وربما الوقفات والمسيرات.
ليس هذا زمان الحاكم الذي لا يملك سيارة ولا هيبة ولا وعيا، ولا حتى مكتبا، فوحدهم سيئوا الحظ من الإداريين من يديرون أرضا تتكاثر فيها الخيبات وتقل فيها بصمات السلطة المركزية وما أقلها.
مواطنو هذا العصر ينظرون -تجوزا- إلى ممثلي الدولة على أنهم هم المسؤولون حتى عن رسوب أبنائهم في الامتحان وضياع شياههم في المراعي.
في عصر الصورة والفيديو والكلمة يجب إعادة تشكل علاقة المواطنة المتشابكة والمعقدة بين الوطن والمواطن بعيدا عن استاتيكو الطوعي .
حينها يمكن أن نتحدث عن تنمية وعن وعي وعن ديمقراطية، فلا خير في راع ينتظر رعيته حتى تموت ليدفنها، ولاخير في رعية تنتظر راعيها حتى يبتسم فتقول له : "اتمر"
الداخل الموريتاني يضم أكثر من ستين مقاطعة ومركزا إداريا، يسكنه فقط، بشكل دائم المتقاعدون والفقراء الذين لم تسعفهم ذات اليد ليملكوا منزلا في المدن الأكثر خطفا للاهتمام والموظفون العموميون والخصوصيون الذين فرضتهم ظروف العمل على الحلول هناك.
كل مركز إداري أو مقاطعة يحمل حكاية من القصور والفشل ترويها مقاعد المدرسة وأسرة المستشفيات ومقابر الحي، وعائدات بائعات "العيش والكسكس" المحليات، والملعب اليتيم والساحات العمومية والشوارع.
أحيانا يبيت "كوماندت بيرگاد" و"كومانده سركل" في القرية المجاورة ليعود لمزاولة عمله في الصباح، كل شيء متهالك، السيارات والمسؤولون والناس والمرافق. لا تحتاج كثير عناء ولا كبير ذكاء حتى تفهم معنى البعد من انواكشوط في أرض الجمهورية الفتية.
حقائق لامركزية مرة تشي بقصور المركزية العمياء.
مالم يع رعاتنا مسؤولياتهم تجاه رعاياهم فسيظل الخلل قائما وتظل خارطتنا الإدارية والديمغرافية عنوانا للاستجداء.

نقلا عن صفحة الكاتب