
الآن أصبح خروف العيد مشكلاً اقتصادياً في موريتانيا. ولم يعد المواطن الاعتيادي يقدِرُ عليه بعدَ أن لم يكن يقدرُ إلاّ عليه. وقد نشأت ثقافة اشتراكية-عشائرية في هذا الإطار: يتمُّ تناقل وتبادل الماشية عبر الشبكات الصهرية والقرابية. طبعاً تعود الأسباب في هذا إلى: 1-زيادة أسعار الأعلاف، التي ضاربَ فيها التجار الكبار ورفعت الدولة عنها الحماية إلاّ قليلاً. و2-الطلب المتزايد على الخراف من السنغال. ولم تعد موريتانيا قادرة وحدها على إشباع الحاجيات السنغالية، وإنما انضافت لها مالي منذ مطلع الألفية. وقد كان عام 2003 عاماً لم يستطِع فيه البلَدانِ تغطية السوق السنغالي، وذلك بسبب العواصف البردية التي نقّصت الماشية في موريتانيا وبسبب تضييقات إدارية موريتانية.
ومن نافل القول إنه لا بدّ من إيجاد صيغة تجارية وقَرضية تُدعَم فيها الأعلاف (والأسمدة، ولكن هذه قصّة أخرى). وثانياً لا بدّ من تنظيم التصدير بما يكون في صالح المنمي والشاري.
والواقع أن هذه المشكلة عنّت للمختار ولد داداه في مطلع السبعينات. وإذا كان من إنجاز لولد داداه فهو كان تثوير الملكية الحيوانية في موريتانيا قبل الجفاف (وصلت الإبل إلى مليونَيْ رأس في عهده، قبل الجفاف، بينما عجز الجنرال عزيز عن حشد أكثر من 1500 ناقة في استقباله العجائبي للقمة العربية في يوليو الماضي). وقد أنشأ المختار ولد داداه "الشركة الموريتانية لتسويق الماشية" (SOMECOB) في 1975. وكان هدف المشروع موازنة تصدير الماشية لإبقاء أسعارِها ثابتة. وللأسف فشل المشروع، إذْ استطاع المنمّون تفادي الرقابة. ولسنوات بقيّت "سوميكوب" تهتمُّ بأمورٍ ما زلنا لم نُحقِّق فيها شيئاً بعد: وهي إقامة مذابح عصرية (أنشأت "سوميكوب" مجزرة كيهيدي، وحاول تنظيم أسواق الماشية). وسرعان ما فقدت "سوميكوب" قيمتها، إذْ توقّفت ثقافة البيع للسنغال وأصبح السوق المحلي يُقدِّمُ أسعاراً أفضل للمنمّي المحلي، قبل أن ترتفع الأسعار في السنغال مع مطلع الألفية.
____
ملاحظة: ليس العبد الفقير في قرارة نفسه حزيناً على ارتفاع أسعار الخراف. بل يتمنّى لو زادت أسعارُها بحيث يتوقّفُ الموريتانيون عن الأكل اليومي للّحم ويتعرّفون على الخضر والفواكه. وإنما هو يخوض مع الخائضين في همومِهم العامّة.
____
نقلا عن صفحة الكاتب