بعد ختام فعاليات قمة العشرين بالصين توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمدينة سمرقند الأوزبكية لوضع اكليلا من الزهور على ضريح الرئيس إسلام كريموف الراحل مؤخرا عن عمر يناهز 78عاما، فى زيارة لخصتها وسائل الاعلام فى زيارة بوتين لاضرحة شاه زنده القديمة وتعزية أرملة الفقيد تاتيانا كاريموفا، ولكن من الصعب عند تفسير زيارة مثل تلك من رئيس دولة بحجم روسيا البوتينية لدولة كأوزبكستان وما تحمله من اهمية لروسيا الاتحادية خاصة ومنطقة اسيا الكبيرة عامة حتى ولو كانت الزيارة لساعات قليلة عند هذا الحد من التحليلي السطحي وتغطية الزيارة فى الاطار البروتوكولى فقط.
بداية كان للرئيس الراحل اسلام عبد الغنيفيتش كريموف دور هام فى توطيد العلاقات بين طشقند وموسكو، وداخليا حافظ كثيرا على أوزبكستان من عواصف سياسية كادت ان تعصف بها فى مراحل كثيرة على مدار أكثر من ربع قرن، فمن ولد فقيرا بدار ايتام سمرقند تولى رئاسة البلاد بعد استقلال اوزبكستان من الاتحاد السوفيتي اي هو من كتب التاريخ المعاصر لاوزبكستان، وهو من واجه خطر المتشددين بالبلاد بكل حزم دون الانتباه لحجج حقوق الانسان وما غيرها من قواعد يهتم بها الغرب عندما يرى صبيانه من المتطرفين وعملائهم بالخارج فى مرحلة الخطر، فخطر التطرف والمتشددين يهدد أوزبكستان بشكل مباشر ولنا فى أحداث وادي فرغانة وانديجان2005م أو الصدامات العرقية على الحدود مع قيرغيزستان، بجانب ما تشكله الحدود مع افغانستان من مخاطر على امن البلاد عبرة، كما أن كثيرا ما كانت سمرقند تصطدم بامواج التدخل الخارجي، او محاولة فرض الهيمنة سواء الاقتصادية من بكين او السياسية من موسكو او العسكرية من واشنطن او الثقافية من أنقرة.
فكثيرا ما حاولت واشنطن احتواء دول الاتحاد السوفيتي بما فيها اوزبكستان بعيدا عن اعين موسكو عبر انشاء برنامج الشراكة من أجل السلام، او محاولة التواجد العسكري وهو ما تم بعد ان تقدم إسلام كريموف بعرض على واشنطن بإنشاء قاعدة عسكرية لها بجنوب أوزبكستان بعد احداث 11سبتمبر، وبالفعل تم إنشاء قاعدة خان آباد العسكرية الأمريكية جنوب البلاد، وما ان وجدت القاعدة العسكرية حتى بدأت واشنطن التى كانت تعامل طشقند بكل رفق تتحول كما السيد المتعالي فى تعامله مع عبيده، الى ان ضربت ارجاء البلاد مظاهرات عارمة أثناء موجة الثورات الملونة التى اجتاحت الاراضي الاوراسية اضاعت النوم من أعين كريموف، فبدأ يعيد النظر فى كثير من سياساته حتى اتخذ قرار باغلاق القاعدة الامريكية بعد ان ظلت تعمل لخمسة أعوام تقريبا، وهكذا تدور السنوات على اوزبكستان وهى بين حالة تجاذبات خارجية واحتقان داخلي بسبب العديد من التيارات والتنظيمات المتطرفة كحزب التحرير الإسلامي وحركة أوزبكستان الإسلامية ومنظمة الاكرامية، وهي التنظيمات التى شكلت خطر على اوزبكستان وما حولها.
كما أنه كان من الطبيعى خلال حكم اسلام كريموف للبلاد لمدة 25عاما ان لن يقتصر دوره كزعيم سياسي فقط حتى صار رجل ألاعمال اسلام كريموف يملك مجموعة من مصانع الاسمنت والملاهي الليلية، واكبر شركة للهواتف المحمولة بالبلاد، بجانب العديد من المشاريع والمصالح التجارية التى قد لا يعرف لها نهاية.
وبعد أنتهاء حقبة اسلام كريموف وما ذكرناه عن الحالة الاوزبكية داخليا وخارجيا كان لموسكو حق ان تقلق ولو بعض الشئ وتتابع عن كثب ماذا يدور فى كواليس طشقند، وان يتجه بوتين من الصين نحوها كي يدلي بنفسه اولى الرسائل الايجابية تجاه القيادة السياسية الجديدة للبلاد عندما صرح بوتين "يمكن لاوزبكستان شعبا وقيادة الاعتماد على روسيا كليا كصديق وفي لها" وبكل تاكيد القيادة الجديدة التى ترغب فيها موسكو لن تكون من خارج اسلام كريموف.
فثلاثة لارابع لهم هم الاقرب لخلافة اسلام كريموف بعيدا عن بعض المعارضين والظواهر الصوتية التى ظهرت بطشقند مؤخرا وهم رئيس جهاز الامن رستم اينوياتوف، ونائب رئيس الوزراء رستم عظيموف، والاكثر حظا رئيس الوزراء شوكت ميرزاييف الذى اكد لبوتين حرص بلاده على استمرار التعاون مع موسكو، وما لا يعلمه الكثيرين أن ابنه اسلام كريموف الكبرى جلنار كريموف تعمل مستشارا للسفير الأوزبكي بروسيا.
حقيقة الامر تعد اوزباكستان احد ملاعب الصراع بين قطبي السياسة العالمية واشنطن وموسكو ولمن يريد ان يتأكد من مصدقية كلامي عليه ان يتأمل مشهد كلمات عزاء الرئيس الامريكي باراك اوباما عندما قال "أنني أعرب عن تعاطفي مع شعب اوزبكستان، وأهنأه بيوم الاستقلال فإن أوزبكستان ستبدأ الآن فصلا جديدا في تاريخها يكون فيه للسيادة والأمن مكان ومستقبل يحترم حقوق جميع المواطنين"، وهي بالطبع اللغة التى تتحدث بها واشنطن مع كل دولة تريد ان تفرض عليها وصاياها بحجة حماية حقوق الانسان والديمقراطية، الى أن جاء رد موسكو سريعا على لسان أليكسي بوشكوف رئيس لجنة مجلس الدوما للشؤون الدولية قائلا "لا مكان للولايات المتحدة في الفصل الجديد من تاريخ أوزبكستان، وأن كان أوباما يعتقد أن أوزبكستان ستفتح فصلا جديدا يتضمن واشنطن فهو مخطئ".
فالرئيس الروسى يعي تماما ان أي تمدد وتصاعد للتيار الاصولي وأينما ظهر المتشددين فهو خطر موجه لروسيا بالمقام الاول، سواء كان تمدد هولاء الارهابيين والمتطرفين بالشرق الاوسط او اسيا الوسطى او شرق اسيا، وأن كانت الحرب الان مشتعلة بينه وبين الغرب بقيادة واشنطن فى سوريا، فهو يدرك أن واشنطن تريد أضرام النيران على حدوده بأسيا الوسطى وما حدث بيريفان مؤخرا و ما قد يطول كازخستان واذرابيجان وقيرغيزيا وطاجيكستان ليس ببعيد عن ذلك المشهد، وقد قالها الرئيس بوتين صريحة عندما سئل عن سبب تدخل روسيا العسكري فى الحرب السورية فجاوب بوضوح ان لم نتصدى لهولاء المتطرفون فى سوريا اليوم سيكون هولاء على حدودنا غدا.