
در منذ حوالى شهر تقرير أعدّه مركز ”أنتربرايز′′ نقلا عن ضابط رفيع في الجيش الأمريكي يذكر بأن الجزائر هي ثاني الدول العربية التي تعاني صعوبات اقتصادية وسياسية وأمنية بعد موريطانيا مشيرا إلى أن جنوبها تحوّل إلى ملاذ آمن لتنظيم القاعدة في المغرب العربي … كما رسم التقرير صورة قاتمة عن أوضاع المغرب وحذّره من سيناريو سوريا على حدوده مشيرا إلى أن موريطانيا والجزائر تعانيان من اضطراب عام .. كما نبّه الى ان “موجة الربيع العربي الثانية” ستشملهما… وأضاف أن موريتانيا ستصبح أول دولة غير مستقرة في القريب العاجل تتبعها في ذلك الجزائر.
التقرير خطير جدا ومهمّ فى نفس الوقت … مهمّ اذا علمنا أن عضوا بسيطا فى المخابرات الأمريكيّة يعرف حقيقة ما يجرى فى دولنا أكثر ممّا يعرفه رؤساء المخابرات المحليّة.
.
فى التّسعينات وفور تقلّده منصب الرّئاسة كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يؤكّد فى كل خطاباته عن ضرورة القضاء على “الحقرة” … كلّما نطق بهذه الكلمة المفتاح عمّ المكان تصفيق حار وصادق يعكس معاناة المواطن منها بائع الخضر التونسي وبائع السمك المغربى ضحايا “حقرة” وشرارتان كان بالامكان تجنّب مؤثّراتهما لو عرف المسؤول حسن التصرّف متّبعا طرق الوقاية والاعلام والحماية والتدخّل.
المواطن المغاربى عامّة يعاني من “حقرة” مسؤولين تسلّقوا الى وظائف هامّة فى الادارة بالمحسوبيّة وربطة العنق والغطرسة وبلا كفاءة وعبقريّة تمكّنهما من التنظيم والانتاج والتطوير.
دولنا المغاربيّة فشلت فى التّفريق بين الانضباط العملياتى الذى هدفه الانتاج بعلاقات اجتماعيّة متحضّرة وبين انضباط العبوديّة الذى حاول تكريسه المسؤول “البهيم والطّحان” … انضباط العبوديّة هو من كرّس ثقافة التمرّد على مسؤولين ساديين يتلذّذون بتعذيب الآخرين ثمّ عمّ هذا التمرّد على باقى الوظائف… لقد شلّت البيروقراطية الاداريّة المبادرات وقتلت في الشّباب روح المنافسة أمام انحياز الدولة لمافيا الرشوة والتهريب والمحسوبية .
الادارة عصب الدولة … والمغرب العربى ضحيّة تقصير اداري يتعمّد فيه تكريس الفوضى للتّغطية على القطط السّمان وإسنادهم … ادارة شعبويّة فى ليبيا … ادارة متغطرسة فى تونس … ادارة بيروقراطية فى الجزائر … ادارة فاسدة فى المغرب … اما فى موريطانيا فلا يمكن الحديث عن ادارة.
فى مقالى هذا سأركّز على المغرب تعقيبا على المظاهرات التى تلت حادثة طحن بائع السمك والتى فاجأت الراي العام التقليدى الذى كان يعتبر المغرب البلد النموذج فى المنطقة نظرا لتّحولات نوعيّة شهدها منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش وذلك فى المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعيّة.
القارئ المحايد والعلمى للمشهد المغربي يلاحظ ما يلى :
ـــ تصاعد غير مسبوق فى الأشهر الأخيرة للعنف والسطو فى المدن المغربيّة مع عجز للسلطات على وضع حدّ له .
ـــ تدخّل خفيّ لمستشاري القصر فى الانتخابات التشريعيّة وفى شؤون الاحزاب بشكل أفقد الكثيرين نكهة العمل السياسي الحزبى المنظّم .
ـــ تحميل أي نجاح للقصر وتحميل ايّ فشل للأحزاب حتى وان كان لمستشارى الملك ضلع فيه .
ـــ تهميش للريف على حساب المدينة بالرغم وان المغرب بلد فلاحيّ بامتياز مما جعل عديد الاصوات المشبوهة والمدعومة من الخارج تنادى “بجمهورية الريف” فى محاولة تآمريّة لتقسيم المغرب.
ـــ تهميش الاحزاب الصغرى والاكتفاء بدعم الاحزاب الكبرى ممّا قلّص مساحة الاستشارات الوطنية الضرورية للتخطيط لنموذج تنموي شامل .
ـــ رغم مجهودات الدولة فى توفير مساكن لائقة للفقراء فى السنوات الأخيرة فإنه مازالت فى المغرب احياءا قصديرية لا تحفظ كرامة متساكنيها .
ـــ معاناة المواطن البسيط من “الإذلال الأمنى والإدارى والمالى” شأنه شأن المواطن المغاربي بصفة عامة مقابل امتيازات خاصة تتمتع بها الطبقة القريبة من القصر.
ـــ بالمغرب يسار اجتماعيّ خطيّ مؤثّر وناجح وفاعل على عكس اليسار فى باقى الدول المغاربية الذى تحول الى يسار ثقافيّ محصور فى المسارح والسينيما والمكتبات .
ـــ أخطر شئ على الحاكم هو عندما يحاول مستشاريه وأجهزته عزله عن شعبه … هذا ما جرى للرّئبس التونسى السّابق بن على والذى من بلده انطلقت الشرارة الأولى من “الربيع العربى” المدمّر لأكثر من دولة .
ـــ نفقات كبيرة على التسليح رغم محدوديّة الموارد .
ـــ تركيز كبير على السياسة الخارجيّة على حساب السياسة الداخلية بكل ما فيها من تفاعل مع المواطن العادي والبسيط …التغلغل المغربى فى افريقيا قد يجلب له متاعب من فرنسا وأمريكا وايران و”إسرائيل” .
ـــ عدم رضاء المواطن العادي على طبيعة العلاقة مع دول الخليج وذلك لأسباب معروفة أهمها رفض التورّط فى النزاعات الخارجيّة وكذلك طريقة تعامل اثرياء الخليج مع المغاربة سواءا داخل المغرب او بالخليج .
ــ ازدياد نسبة المقاطعة للانتخابات كشكل من اشكال اليأس من العمل السياسي المنظّم … والمقاطع “الذّكي” للانتخابات قد يتحوّل الى مصدر ضغط وازعاج “للأغبياء” الذين انتخبوا بتبعيّة لا بقناعة .
ــ عمل مستشارى القصر على اسقاط بن كيران فى الانتخابات الاخيرة لحساب حزب آخر … لولا تدخّل الملك لهزم بن كيران … ولو هزم بن كيران لكانت الكارثة على المغرب بعد حادثة بائع السمك التى ظهر فيها بن كيران “ملكيّ أكثر من الملك” .
من الرابح ومن الخاسر من الأحداث ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ الملك : سيبقى دائما ملكا .
ــ المستشارون : خسروا الملك وخسروا الشعب .
ــ بن كيران : ربح الملك وخسر الشعب .
ــ عدد من الأحزاب : خسروا الملك وربحوا الشعب .
ــ الشعب : سيبقى دائما شعبا .
أهمّ استنتاج بعد المظاهرات الكبيرة التى شهدتها أكثر المدن المغربيّة ان المغاربة شعب متحضّر لا ينجرّ ابدا الى العنف العشوائى والتخريب والحرق .
الاسئلة المهمّة ؟
ـــــــــــــــــــــــ
هل سيشهد المغرب حزمة اصلاحات جذريّة تجعله ينجو نحو الملكيّة الدستورية التى فيها الملك يملك ولا يحكم ؟
هل سيشهد المغرب تغييرا لإسم “المخزن” نظرا لاسباب يعرفها الجميع مع الحفاظ عليه كجهاز أمنيّ حسّاس ؟
هل ستطيح الاحداث الاخيرة برؤوس قد أينعت فحان عزلها ؟