
حرّك قرار مصلحة السجون بالإفراج المبكر عن رئيس دولة إسرائيل السابق موشيه كتساف -المتهم بـ الاغتصاب قبل انتهاء فترة حكمه بعامين- قضية استشراء الفساء بين أوساط النخبة وجملة من القضايا المختلفة التي تورط فيها مسؤولون إسرائيليون.
ومن أبرز هذه القضايا تورط إيهود أولمرت -الذي تقلد عدة مناصب أهمها رئاسة بلدية القدس ورئاسة الوزراء- بملفات فساد ورشاوى مالية حوكم على إثرها بالسجن الفعلي لمدة عامين ما زال يقضيها خلف القضبان.
وليس بعيدا عن ذلك، أُدين رئيس حركة شاس الدينية آرييه درعي بتهم الرشوة وخيانة الأمانة، وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة عامين، وخرج من السجن ليعود للحياة السياسية من جديد ويتقلد حاليا منصب وزير الداخلية.
رشاوى وتحرشات:
أما وزير العمل والصحة السابق من حزب شاس شلومو بن إيزري، فقرر اعتزال الحياة السياسية بعد قضائه أربعة أعوام في السجن بتهم الرشاوى والاختلاس، واتخذ مسار الاعتزال مثله مثل وزير البنى التحتية السابق غونين سيغف من حزب تسوميت اليميني، والذي اختفى بعد قضائه خمسة أعوام خلف القضبان لإدانته بتهريب حبوب الهلوسة المخدرة من الخارج.
ولم تقتصر المخالفات القانونية على رجال السياسة، بل امتدت إلى رجال الدين أيضا، إذ تورط كبار الحاخامات والمرجعيات الدينية بقضايا فساد من بينها قضية يوشياهو بينتو الحاخام الأكبر والتي هزت تل أبيب، حيث دفع رشوة مالية ضخمة لضابط رفيع بجهاز الشرطة، الأمر الذي كشف أيضا عن فساد هذه المؤسسة.
ولم تنته مخالفات رجال الدين عند حد الفساد المالي، بل امتدت للفساد الأخلاقي، فهناك الكثير من قضايا التحرش الجنسي التي اتهم بها حاخامات مشهورون وأبرزهم الحاخام إليعازر برلند الذي هرب لعدد من البلدان حول العالم حتى لا تتم ملاحقته على خلفية قضايا تحرش بقاصرات.
كما أن رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو تدور حوله عدد من شبهات الفساد التي ما زالت الشرطة وبالتعاون مع مراقبي الدولة تعمل بشكل حثيث على إثباتها.
فساد رأس الهرم:
وفي قراءته لأسباب استشراء الفساد في أوساط النخب السياسية والدينية، قال المحلل السياسي أنطوان شلحت إن ذلك يعود للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي، بانتقال الدولة منذ نحو عقدين من سياسة الرفاه لسياسة النيو ليبرالية.
ومن مظاهر السياسة الجديدة -وفق شلحت- ازدياد الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين شرائح المجتمع المختلفة، وإفساح المجال أمام رأس المال الخاص الذي أدخل ما تسمى معادلة السلطة والمال في مؤسسات الحكم.
ويشير شلحت إلى أن "حيتان المال أصبح لهم التأثير الكبير على رجال السلطة، وهذا يتم من خلال دفع رشاوى، ويؤدي لفساد رأس المؤسسة السياسية من أجل تسيير أعمال هؤلاء الأشخاص".
وأكد أن هناك قوانين تم اعتمادها في إسرائيل من أجل شرعنة الفساد، وأبرزها قانون التسويات الذي يسمح بتوزيع أموال من الخزينة العامة للدولة لشرائح شريكة بالائتلاف الحكومي، ولكن هذه الأموال غير واردة بالبنود الأساسية للميزانية السنوية.
وأشار شلحت إلى أنه "عندما يُشرعن الفساد في رأس الهرم السياسي، فأي فساد آخر يتفرع عنه يصبح مبررا، ويتم الكشف باستمرار عن تحويلات أموال من الخزينة العامة لفئات مختلفة بشكل غير قانوني، وهذا ازداد وتفشى مع اعتماد سياسة النيو ليبرالية، ولا يظهر بالأفق القريب أنه سيتم لجم هذا المسار، لأنه في حال سن قانون لمنع ذلك فالكثير من الفئات السياسية الموجودة في مركز الخريطة السياسية ستتضرر".
ووفقا لنتائج استطلاع للرأي نشرتها مؤسسة "مئغار موحوت" الإسرائيلية نهاية عام 2015، فإن 50% من الإسرائيليين يعتقدون أن البلديات والمجالس المحلية فاسدة إداريا وتجري بأروقتها أكبر عمليات الاحتيال وسرقة الأموال، بينما يعتقد 70% منهم أن النخبة السياسية الحاكمة فاسدة حتى النخاع.
وترى منظمة الشفافية الدولية (CPI) أن إسرائيل لم تنجح حتى الآن بسن قوانين تحارب الفساد بشكل قطعي، وذلك لحرصها على إرضاء الجهات الدينية بالائتلاف الحكومي.
وطبقا لآخر تقرير نشرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) عن الفساد المالي، تبين أن وضع إسرائيل يزداد سوءا باحتلالها المرتبة الـ322 في قائمة المئة دولة التي ارتفعت بها نسبة المتورطين بالفساد من النخبة الحاكمة
المصدر : الجزيرة