في ذكرى 12- 12 غير المجيدة ، لا زلت أذكر كيف استقبلت خبر الانقلاب على ولد هيداله بكثير من "الاهتمام" رغم أنني كنت حينها في بداية سنتي الثانية من الابتدائية . وضعت كلمة اهتمام بين ظفرين ، لأنها لا تعني في الحقيقة أكثر من فضول طفل مولع بمجالسة الكبار والاستمتاع بأحاديثهم التي لا يكاد يفقه جلها.
في ذلك اليوم عدت من القرية بخبر الانقلاب إلى الأهل في "لحريثه" (الحقل) ولا أذكر من التفاصيل سوى الزجر والتجاهل اللذان كان البعض يواجه بهما اسئلتي الساذجة ....
بعد أربع سنوات زار ولد الطايع مدينة العيون ، وكنت يومها في السنة الخامسة من الابتدائية طبعا ، ولما قرر سكان قريتنا (بغداد) المساهمة في حفل الاستقبال الذي شكل منافسة قبلية محمومة ، الححت على أن أكون ضمن وفد الجمالة مما أثار سخرية الكثيرين ، لكن أحدهم اقترح - أمام إصراري - الاستجابة لطلبي وحملي على أحسن الجمال ترويضا .
انطلقنا ليلا من بغداد ، وحطينا الرحال قبيل الفجر في "اغليك أهل حناني" وفي الصباح واصلنا المسير وقد أعجب الركب بثباتي في الرحل ، بل ومسايرتي لهم بالشكل المطلبوب وإن كان الفضل في ذلك يعود للجمل نفسه .
في " أم اكريه" توقفنا تنفيذا لأوامر "شيخ القرية" وانتظارا لمن يرشدنا إلى مكان تجمع القبيلة . وبعد ساعة من الانتظار تقرر ارسال من يتحرى عن الأمر فوقع الأختيار علي أنا وصديقي أحمد ولد أجدود ، ربما لأننا الأصغر سنا والأكثر حماسا وكانت تلك هي أول زيارة لي لمدينة العيون رغم أن قريتنا لا تبعد عنها سوى 25 كلم فقط على طريق الأمل تقريبا .
أركبونا خيولا وأعطونا التعليمات وكان أحمد يكبرني قليلا وربما زار المدينة أكثر من مرة . فانطلقنا مسرعين وما إن وصلنا نقطة تفتيش الشرطة في مكانها القديم الذي يوجد فيه "كراج" الآن حتى التقينا بشيخ القرية "شيخنا ولد حناني طيب الله ثراه " ومحفوظ ولد أجدود "أطال الله بقاءه" والد صديقي ورفيقي في المأمورية .
فأمرانا بالعودة بسرعة وإخبار الجماعة أنهما في انتظاهرهم . فانطلقنا مثل البرق منتشين بنجاح المهمة ، قبل أن يقع صديقي من فوق حصانه لكنه الحمد لله لم يصب إلا برضوض وجراح خفيفة .
لم يكن لدينا وقت لمطاردة الحصان الشارد ومحاولة الإمساك به ، اردفت صديقي الذي أصبح فيما بعد جنديا ضمن تشكيلة الحرس الرئاسي . وواصلنا العدو حتى وصلنا القوم لننطلق جميعا إلى "الحكمه" ومنها إلى "انبيت أرواحل" حيث يرابط عشرات الجمالة والخيالة في المكان المخصص لتجمع القبيلة.
في العام 1991 أصبحت طالبا في إعدادية العيون ، شغوفا بالمطالعة والنقاش ومتطلعا إلى واقع جديد ، قد لا تبدو ملامحه واضحة حينها ، لكن طبيعته تختلف على أية حال عن عالم الغبن والظلم واللامساواة الذي عشته في عالم الريف ولم تستطع المدينة محو آثاره من مخيلتي رغم إسهاماتها الكبيرة في تطوير الوعي الثقافي وتغيير الوعي الاجتماعي وتشكيل الوعي السياسي لدي .
ولم أزل كذلك حتى حضرت مقر اتحاد القوى الديمقراطية المفتوح حديثا بعيد تأسيس الحزب الذي وجدت في وثائقه الأساسية ضالتي المنشودة ( الوحدة - الديمقراطية - العدالة الاجتماعية) وكان مؤطري السياسي الأستاذ محمد ولد السالك ممثل الحركة الوطنية الديمقراطية محليا . ومنذ ذلك الحين أصبحت معارضا شرسا للعقيد ولد الطائع حتى يوم سقوطه.
من صفحة الكاتب على الفيس بوك