«التمويل الأجنبي» وسوسة الفساد «المدني»

ثلاثاء, 2014-12-16 23:51
 بسام البدارين

عض المعايير التي تعتمدها مؤسسات المجتمع المدني العربية في فضح المخالفات الحكومية والرسمية ومطاردتها أصبحت مثارا للنقاش ومادة للجدل على أساس التشكيك بجدوى وإنتاجية وأحيانا «وطنية» مؤسسات المجتمع المدني وخصوصا تلك التي تطرح برامج إصلاح اجتماعية وسياسية بتمويل مباشر من مؤسسات أو حكومات أجنبية.
ينتشر هذا النمط من الجدل في عدة دول عربية منها المغرب ومصر والأردن وشمال إفريقيا وكذلك السودان واليمن، ويجد نشطاء يسوقون أنفسهم على أساس انهم رسل للحرية ومنذورون لخدمتها تحت مرمى القصف العشوائي بسبب أخطاء بسيطة ترتكب أو حتى تجاوزات بين الحين والآخر.
لابد من الاعتراف بأن المعايير التي تطاردها مؤسسات المجتمع المدني وهي تنتقد الحكومات تخالفها بعض هذه المؤسسات المدنية نفسها بصورة فاضحة وخالية من المهنية ويمكنها أن تكون بأي وقت «حجة» ضد حريات العمل المدني.
«الشفافية» لم تكن يوما مجرد إطار لفظي للاشتباك مع أي سلطة أو واجهة أو بقالة تبرر وجود مؤسسة مجتمع مدني في أي مكان بل هي «قيمة» مرجعية وأخلاقية وأساسية تعارفت عليها الشعوب المتحضرة في عالم اليوم.
وهي قيمة لا تقل أهمية عن كل الإطار القيمي الذي يبرر من حيث المبدأ تشكل وإطلاق وتفعيل العمل الحقوقي المدني.
يثير خصوم المجتمع المدني والنشاط الحقوقي في جميع الساحات العربية مسألة شفافية مؤسسات المجتمع المدني بإعتبارها «مثلبة» أساسية ويتحدث الجميع عن فساد مستتر بالمعنى الإداري والمالي مما يشكل دوما حجة وذريعة للانقضاض على العمل المدني بعنوان «التمويل الأجنبي».
في عالم اليوم حظيت الشفافية بأهمية قصوى وخطيرة لأن غيابها مكلف جدا على صعيد حقوق الإنسان وكرامته وهي كبقية القيم الإنسانية الأساسية ينبغي أن تطبق بشمولية ومسؤولية وبصورة تفصيلية وحاسمة وينبغي أن لا نقبل من جانبنا كحقوقين أو إعلاميين أو حتى مواطنين تطبيقها «جزئيا» أو بصورة مغلوطة أو بشكل انتقائي.
الأهم ان الشفافية كمعيار كوني يتوجب أن لا تصبح واجهة للاحتيال والعبث لأن ضررا من يدعي الشفافية أو يخالفها أو «يخون مبادءها» أثناء خوض معركة باسمها أخطر بكثير من خطر من يرتكب جريمة مباشرة بحقها.
بمن هنا يمكنني القول وأنا مرتاح الضمير بأن بعض «تصرفات» وسلوكيات ومخالفات مؤسسات المجتمع المدني تعيق عمل كل مؤمن بالدولة المدنية وتؤدي لمخاطر أساسية قد تتجاوز في تأثيرها السلبي مخاطر الممارسات الحكومية التي ننتقدها ليلا ونهارا.
ما يحصل للأسف في عدة ساحات عربية ان حصل مع مؤسسات الإعلام حيث برز اختراق أمني ورسمي كبير للصحافة الإلكترونية انتهى بتجاوزات أخلاقية على المجتمع وكرامات الأفراد وبشيوع ثقافة الابتزاز حتى باتت هذه الانتهاكات المهنية الصحافية ذريعة بيد السلطة ضد الصحافة الحقيقية.
أحسب، وأمري إلى ألله، بأن شيئا مماثلا حصل في بعض مؤسسات المجتمع المدني فالسلطات من وراء ستارة تغمض العينين عن مخالفات الشفافية في مؤسسات العمل المدني بل تحرض على مخالفتها لا بل ترعاها وقد رعتها في بعض المساحات حتى تجتاج سوسة الفساد كل المؤسسات ويشك الناس بكل العمل ويصبح الاختراق أسهل وأسرع مع إمكانية الخوض في تسويات على حساب المبدأ والإصلاح.
وللتحديد أكثر لابد من القول بأن العديد من مؤسسات المجتمع المدني تخالف معايير الشفافية التي تطالب بها أصلا وهي تخوض نضالها لتكريس مبادئ وملامح الشفافي وتلك بحد ذاتها سلبية عميقة وجريمة وخيانة برأيي الشخصي للأطر القيمية التي نعمل من أجلها في مؤسسات المجتمع المدني وهي جريمة نحن تحديدا الناشطين في المجال الحرياتي والحقوقي قبل غيرنا مسؤولون عنها على قاعدة حبة الطماطم الفاسدة تفسد صندوقا كاملا من الطماطم.
وما حصل في الواقع ان بعض نشطاء المجتمع المدني المحترفين بيننا مالوا في العمل لكل ما هو عكس الشفافية والنزاهة المالية ونجحوا في «إفساد» حتى ممثلي المجتمعات الممولة الدولية والغربية حتى تشكلت طبقة شركاء «تتاجر» بالمشاريع والاتجاهات مقابل مصالح خاصة مما تسببت بإشكالات مماثلة لإشكالية المخطئين عندما يتقاسمون الغنيمة بعد إنجاز الجريمة.
ما تقوم به الحكومات خطأ لكن ما يقوم به حراس المبادئ والعدالة، وهم يطاردون الأخطاء والانتهاكات، خطيئة. وثمة اختراقات متعددة للعمل المدني العربي لا علاقة له بالتمويل بقدر ما له علاقة بالعبث بالتمويل.ب