عن الرجل الذى عض كلباً!

خميس, 2014-12-18 00:45
سليمان جودة

أعلنت السفارة البريطانية فى القاهرة، فى ساعة مبكرة من صباح أمس، أنها قررت إعادة تقديم خدماتها للجمهور، بعد أن كانت قد علقت الخدمات نفسها، على مدى عشرة أيام كاملة!

 وقد راحت مصادر الأخبار تنشر هذه الخطوة وتنقلها عن السفارة، باعتبارها خبراً.. وحقيقة الأمر أن عودة السفارة إلى تقديم خدماتها ليست هى الخبر الذى يجب أن نعرفه، وإنما الخبر الحقيقى هو: لماذا علقت خدماتها أصلاً، ثم لماذا أعادتها.. فهذا هو الخبر، ولا خبر غيره، وماعداه تفاصيل!

 وقد بحثتُ، من جانبى، عن إجابة لمثل هذا السؤال، فى كل خبر ذاع عن السفارة، أمس، فلم أجد شيئاً، وهو الأمر الذى أعتبره أنا استهانة من جانب السفارة لجمهورها الذى يقصدها، والذى حين قصدها، قبل عشرة أيام، وجد الأبواب مغلقة فى وجهه دون إبداء أى أسباب!

 وإذا كانت السفارة سوف تمتنع عن بيان حقيقة هذه الأسباب، بعد إعادة تقديم خدماتها المعتادة، فهى حرة.. غير أن الخارجية المصرية، فى المقابل، لا يجب أن تعفيها، كسفارة، من هذه المسؤولية أمام كل مصرى، لأنه ليس معقولاً، بالمرة، أن نقضى الأيام العشرة، فى جدل سخيف حول الدواعى التى كانت قد دفعت السفارة إلى إغلاق أبوابها أمامنا، ثم بكل براءة تعيد هى فتح الأبواب، وكأننا طوع يديها، تفعل بنا ما تشاء فى الوقت الذى تحبه، دون التزام بأى أعراف أو تقاليد دبلوماسية.

 لا.. ليست هذه من أصول الدبلوماسية فى شىء، وإذا كان من حقها أن تتخذ من الإجراءات ما تراه، فمن حقنا أن نعلم أسباب هذه الإجراءات، لأنها تعمل على أرضنا، ولأنها تقدم خدماتها لنا، ولأن عواقب خطوتها إياها سوف تمسنا نحن، ولن تمس سوانا!

 هل ننسى أنها علقت خدماتها قبل أعياد الميلاد بأيام؟!.. وهل نتوقع أن سائحاً إنجليزياً يمكن أن يأتى لقضاء أعياد رأس السنة عندنا وهو يرى أن سفارة بلاده تعلق خدماتها لجمهورها لأسباب أمنية، كما قالت السفارة فى البداية؟! وهى أسباب، بالمناسبة، لا محل لها من الإعراب، فى ضوء ما نعرفه عن موقع السفارة الحصين، وعن حجم الأمن الذى يحيط بها.

 قطعاً.. هناك سياح سوف يتأثرون بما كانت السفارة قد قررته قبل عشرة أيام، وقطعاً هناك سياح آخرون سوف لا يهمهم الموضوع، وسوف يأتون رغم كل الظروف.. ولكن.. فى كل الأحوال وقع علينا ضرر، وهذا الضرر إذا لم يكن مادياً، فى صورة حجوزات سياحية تم إلغاؤها، أو إرجاؤها، فهو ضرر أدبى فى صورة تشويش لا معنى له على صورتنا العامة كبلد فى الخارج.. فمن، إذن، يدفع ثمن هذا الضرر فى الحالتين؟!.. ندفعه نحن، أم يدفعه الذى كان سبباً فيه، خصوصاً أنه لا يريد أن يكشف عما أدى به إلى خطوة من هذا النوع؟!

 زمان.. كان يقال لطلاب الصحافة فى الجامعة إن الخبر الذى يستحق النشر ليس أن يعض كلب رجلاً، وإنما أن يعض رجل كلباً، وبالقياس، فإن الخبر ليس أن تعود السفارة لتقديم خدماتها، وإنما الخبر أن يقال منها مباشرة، وبوضوح لا يحتمل أى لبس، لماذا فى الأساس كانت قد علقت تقديم الخدمات؟ وإذا كانت هى سوف تستهين بنا وتسكت، فلا يجوز لخارجيتنا أن تسايرها أو توافقها أبداً!