نتشار الإلحاد عربيا بين الداعشية والإسلام السياسي

جمعة, 2014-12-19 00:05
خالد الشامي

في اعتراف رسمي نادر من الدولة المصرية، أصدر مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية تقريرا أكد فيه اتساع ظاهرة الإلحاد بين الشباب في الدول الإسلامية، لاسيما دول المنطقة العربية. 
وأشار التقرير إلى أن أهم الأسباب هو «تشويه الجماعات الإرهابية التكفيرية لصورة الإسلام، من خلال تطبيق مفهوم خاطئ للإسلام، وتقديم العنف والقتل وانتهاك حقــــوق الإنسان على أنها من تعاليم الإسلام». وأكد مستشار المفتي الدكتور إبراهيم نجم أن مركز «ريد سي» التابع لمعهد «غلــــوبال» وضع مؤشرا للإلحاد في كل دول العالم، وقال إن مصـــر بها 866 ملحدا، ورغم أن الـــرقم ليس كبيـــرا إلا أنه الأعلى في الدول العــــربية، فليبــــيا ليس بها ســـوى 34 ملحدا، أما السودان ففيها 70 ملحــــدا فقــــط، واليمن فيها 32 ملحدا، وفي تونس 320 ملحدا وفي سوريا 56 ملحدا وفي العراق 242 ملحدا، وفي السعودية 178 ملحدا وفي الأردن 170 ملحدا وفي المغرب 325 ملحدا. 
ولم يذكر المركز المصادر التي استند إليها في إحصاء أعداد الملحدين، التي كانت محل سخرية واسعة في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإعلامي. ونقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن شاب مصري قوله إن العدد المذكور في التقرير بالنسبة لمصر يمثل في الحقيقة عدد الملحدين في جامعة الأزهر وحدها (..). وتعددت في الفترة الاخيرة بوادر الانتشار غير المسبوق لهذه الظاهرة في علاقة طردية مع ازدهار «الداعشية» كمنظومة عقدية وقيمية وعنفية، أصبحت تفرض نفسها على واقع المسلمين وصورتهم أمام أنفسهم والعالم، في ظل أفول تاريخي لـ»فكرة الإسلام السياسي» كبديل سياسي يصلح خيارا ديمقراطيا، بدءا من فشل تجارب حكم الإخوان في مصر وتونس والسودان، ومرورا بوقوعه في دائرة العنف في ليبيا وسوريا، وانتهاء بحملة الاعتقالات ضد عشرات الصحافيين في تركيا.
وفي ما بدا وكأنه رد فعل طبيعي على تجنيد «داعش» لآلاف الشباب، وانتشار مشاهد الذبح والجلد والسبي، باعتبار انها «تطبيق للشريعة الإسلامية»، تشهد الإنترنت حاليا بروز جيل من الشباب العربي الرافض لتطبيق الشريعة، بل ولا يتورع بعضهم عن المجاهرة بإلحادهم رغم المحاذير الاجتماعية، فضلا عن العواقب العنفية التي نالت بعضهم على أيدي مواطنين ورجال شرطة على السواء، كما حدث في مصر مؤخرا.
وهذه مجموعة من الحقائق التي لا يمكن إغفالها في هذا الإطار:
أولا- اعلنت محافظة القاهرة قبل عدة أيام إغلاق مقهى في حي عابدين الشعبي باعتبار انه «ملتقى للملحدين». 
وكأن اغلاقها سيقضي على ظاهرة الإلحاد، بل ان دار الإفتاء التي اعترفت رسميا بالظاهرة، لم تكلف نفسها إعلان خطة او برنامج لمواجهة أسبابها، أو فتح حوار مع أولئك الشباب في أفكارهم.
ثانيا – لقي هاشتاج بعنوان:
«why we reject implementing Sharia» او (لماذا نرفض تطبيق الشريعة) رواجا كبيرا على تويتر، وشارك فيه أكثر من خمسة آلاف شاب عربي خلال الأربع والعشرين ساعة الأولى لطرحه، ومن بين التعليقات أسئلة مشروعة تحتاج إلى إجابات من علماء الدين الغارق أغلبهم في إشغال الأمة بإصدار فتاوى تتعلق بالنصف الأسفل من الجسد، بينما نجحت أمم اخرى كالهند، طالما كانت معنا في معسكر العالم الثالث، في إرسال بعثات لاستكشاف المريخ. 
ثالثا- اضطرت بعض وسائل الإعلام المصرية مؤخرا إلى التعامل مع ظاهرة الإلحاد، فظهر شباب مثل احمد حرقان، وهو شيخ سلفي سابق تربى في السعودية قبل أن يعلن إلحاده قبل شهور، في عدة برامج مؤخر طارحا أسئلة علمية وعقلية تتعلق ببعض آيات القرآن الكريم، الذي كان أتم حفظه وهو في الحادية عشرة من عمره، إلا ان شيوخ الأزهر الذين واجهوه في مناظرات إعلامية، اكتفوا بتكفيره وتهديده بدلا من مناقشته، وبالفعل تعرض مع زوجته إلى اعتداء بعد ظهوره في أحد البرنامج، أدى إلى إجهاضها.
رابعا- يلقى برنامج على اليوتيوب بعنوان «البط الاسود» لشاب مصري يدعى اسماعيل محمد، رواجا بين عشرات الآلاف من الشباب العرب، وهو يعتمد على محاورة الشباب الملحدين، وكانت آخرهم فتاة سعودية تدعى خلود بار عيدة تعرضت للسجن في السعودية، بعد أن اوقفتها شرطة المطاوعة بسبب «ملابسها غير المتفقة مع الشريعة»، قبل ان تنجح في السفر الى الخارج. وتضمنت روايتها العديد من الوقائع والمعلومات الصادمة، إلا ان اللافت حقا هو مقدار ما تتمتع به من ثقافة واسعة، وهو ما يثبت فداحة خطأ الفكرة التقليدية لدى النخبة العربية الحاكمة بشأن هذا الجيل من الشباب العربي. ويشارك في البرنامج عشرات الضيوف من مختلف البلاد العربية، ما يؤكد أننا أمام ظاهرة إقليمية وليست مقتصرة على بلد واحد.
خامسا – ان هؤلاء الشباب لا يستقون معلوماتهم او اسئلتهم او شكوكهم المتعلقة بالدين، سواء كان الاسلام او المسيحية من كتابات «مغرضة» في صحف «صهيونية معادية»، بل من أمهات الكتب التراثية التي اكتسبت «قداسة» عبر الزمن، مثل «سيرة ابن هشام»، و»الطبقات الكبرى»، وتفسير «الطبري»، وغيرها، ومنها يبنون قناعاتهم بأن جذور ما يرتكبه «داعش» من فظاعات اليوم، إنما هي موجودة في تلك الكتب. ومن أمثال ذلك وقائع تبيح القتل والذبح بغير قتال مثل ما حدث لكعب بن الاشرف، ناهيك عن سبي النساء وغير ذلك كثير في بعض السرايا.
وهذا كلام يتطلب ردودا من علماء الأزهر وغيره من المؤسسات الدينــــية، بدلا من الاكـــتفاء بتكفير اولئك الشباب ثم الامتناع، للمفارقة ،عن تكفير «داعش» نفسه باعتـــبار أن اعضــاء التنظيم «يؤمنون بالله ورسوله وإن اخطأوا» كما قال أحدهم مؤخرا.
واخيرا فقد حان الوقت ليخرج العالم العربي، سواء كحكومات أو مؤسسات دينية أو ثقافية، رأسه من الرمال. لقد تغيرت الدنيا، واصبح الأطفال الذين تربوا في كنف الانترنت شبابا يدرسون ويبحثون ويسألون، ولا توجد وسيلة لـ»تطبيق حد الردة عليهم»، بل يمكن فقط محاورتهم واستيعابهم. وليكن هذا ضمن مقاربة اشمل اصبحت حتمية لتجديد الفكر الديني، في ظل معطيات وتحديات عصرية جديدة غير مسبوقة.
انه عالم مختلف، أولوياته مختلفة، يعنى بالإنسان ويحترم حــــقوقه وكرامته لمجرد انه انسان، ولن يسمح لاحد ان يلغي عقله تحت اي من المسميات او الموروثات.