حروب العيد

ثلاثاء, 2014-10-07 13:13
أبو العباس إبرهام

هنالك عيد لأهل المرح؛ وهنالك عيد للثقلاء. وهذه قضية تاريخية. ولا يمكننا أن نتحدث عنها ثقافياً إلاّ ببعض الاجتزاء. فالأعراب لم يعرفوا ثقافة "العيدية" إلاّ بعد أن لم يعودوا أعراباً وترجموا عادات النيروز والمرح الزرادشتي

واستورد شيعة خراسان الاحتفاء بالأعياد إلى العاصمة بغداد، ثم جاء السلاجقة والأتراك اللاحقون فأدخلوا ثقافة العيدية. وقبلهم كان التعايد في لغة الأعراب يحيل إلى التزاور أو إلى عِيادة المرضى، لا إلى العيدية. وقد أخذ البيضان مصطلح "انديونة" من التوبنان البولار ومن الولوف. وبقوا لعقود غير قادرين على ترجمته إلى "العيدية" حتى ظهرت العولمة الخليجية.

وبطبيعة الحال فإن الأعراب لم يكونوا يقضون العيد في التقاتل والتكشير، رغم أن شيعة وسنة بغداد البويهية كانوا يُحوِّلون العيد إلى مناسبة للتضارب وللتقاتل. وفي العالم الإسلامي ما زالت هذه عادات قائمة، وإن محرّفة. وما إن يُعلن عن قرب العيد حتى تشتعل الحروب حول الهلال والرؤية والخراف وكيفية الذبح والاحتفال وهيئة اللبس. وسرعان ما يُحوِّلُ العلماء هذه المعارك إلى حروب السحرة فيتراشقون بالأحاديث والأدلة الشرعية وخصوصاً في الأصقاع الإسلامية، بعيداً عن العواصم.

وهذه الحروب لم تنته مع القذافي. أمير المؤمنين في المغرب يريد عيداً مستقلاً عن أمير المؤمنين في الحرمين. فالأول أمير المتصوفة والمالكية والأخير أمير المتزمتة والحرفية. ولا يحقّ لهما التعييد في يوم واحد، وإلا لانتفت الفروق الرمزية بينهما. وفي السنغال يصل حبّ التمايز أحياناً إلى ثلاثة أعياد: واحد للمريدية وواحد للتيجانية وواحد للأجانب. وفي موريتانيا لم يعد المشايخ يضيّعون فرصة التمايز العيدي. وأصبح لكل مجتهد عيد يتلازم مع خياره الجيوسياسي. وهذه حروب معقّدة ولكنها متعلّقة في جزءٍ منها بالولاء، إما للسلطان المحلي أو للسلطان الأجنبي. فالمشايخ، مثلهم مثل الجن، لا ينفذون إلا بسلطان.

وفي تركيا يشبّ في كل عيد نقاش حول إنسانية الذبح ولا ينتهي الجدال بين النباتيين واللحوميين. وهنالك من يريد حصر ذبح الخراف في المذابح في ضاحية العاصمة وبعيداً عن رؤية الأطفال للدم. وهذا ليس نقاش أصوليين وإنسانويين، فالأصوليون يحتجون بطراوة ولذة لحم الكبش عندما يذبح وهو يرى السكين لأنّ هذا يزيد أدريناله فيجعل لحمه لذيذاً.

هناك جدالات عيدية لا تنتهي. وهي مملة جداً، كنقاش من يعطي العيدية ومقايضتها بالسماح وغيرها من الروتينيات الأبدية. ولكنها وسائل للتآنس. وهنالك نقاشات طول دراعة العيد. وهذه نقاشات مصيرية في الأصقاع السلفية، وقد أسفرت عن الدراعة المربعة القصيرة، الأقرب إلى طاقية سوبرمان، التي صممّها إيف سان لوران الشنقيطي. ولا تنتهي نقاشات الزكاة وقابلة ترجمتها إلى نقد وإمكانية دفعها لبعض المؤسسات (وذلك هو بيت القصيد).

وفي الماضي كان الموريتانيون أبرياء، وكانوا يقضون العيد في مسقط رؤوسهم، وإذا بقوا بالمدينة فإن مبلغ طموحهم الذهاب إلى حديقة الحيوانات بعرفات حيث تُجوِّعُ الحكومة تمساحاً وأسداً وجرواً وظبية. وكانت فرقة المسرح الشعبي سيّدة الملاهي في دار الشباب. اليوم لا يستقيم العيد إلا بأيام العشاق. لقد تحوّل الأضحى إلى الفالنتاين. وكما كتب كاتب يوماً: "إن أجمل الألبسة إنما وضعت لكي تُخلع".

نقلا عن صفحة الكاتب على الفيس بوك