كشفت لوموند الفرنسية أن الاستخبارات الفرنسية حاولت التواصل المباشر مع الاستخبارات السورية، للحصول على معلومات استباقية لأي تهديدات محتملة، لكن الخيط انقطع ثانية مع تمسك دمشق بمطلبها إعادة فتح السفارة الفرنسية بدمشق.
كانت فرنسا من أوائل الدول الغربية التي بادرت، قبل تشكل التحالف الدولي ضد "داعش"، إلى قصف مواقع التنظيم في العراق. وهي تشارك بلا هوادة في قصف مواقعه أيضًا في سوريا، مع التأكيد مرارًا أن لا تنسيق أبدًا مع نظام بشار الأسد، فاقد الشرعية، بعدما قتل نحو 200 ألف سوري.
رد أسدي
لكن حسابات قصر الإليزيه وكي دورساي ليست متوافقة بالضرورة مع حسابات الاستخبارات الفرنسية، التي تقضل اليوم أن تعيد ما انقطع بينها وبين الاستخبارات السورية.
مدفوعة بخوفها من إياب مجاهدين فرنسيين إلى بلادهم وارتكاب الحماقات الارهابية فيها، بعد مشاركتهم في جولات القتال بسوريا، حاولت الاستخبارات الفرنسية في خريف العام 2013 أن تقيم صلة مباشرة مع الاستخبارات السورية، من أجل الحصول على معلومات مفيدة، لتجنب أي عمليات قد تكون مخططة على اراضي الفرنسية، وفق تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية.
أتى الرد "الأسدي" باستعداده التام للتعاون الاستخباري، لحظة تعيد فرنسا فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، المقفلة منذ السادس من آذار (مارس) 2012. غير أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند رفض ذلك. وما أن أتى التحالف، حتى لاذت به فرنسا، مكررة موقفها المعلن من نظام الأسد.
حلقة مفقودة
لا شك في أن للاستخبارات الفرنسية باع طويل في العمل الاستخباري، وهي قادرة على مراقبة الجهاديين، أو المشتبه بجهاديتهم، حين يكونون على الراضي الفرنسية. لكن أي نشاط استباقي للاستخبارات الفرنسية، لمنع أي عملية إرهابية من الحصول، ينقصه مراقبتهم في سوريا نفسها. وهذه الحلقة مفقودة منذ انقطاع العلاقات بين باريس ودمشق، ما حرم الاستخبارات السورية مصدرًا للمعلومات، تصفها بالـ"مهمة".
إلا أن دولًا أوروبية أخرى، منهم المانيا، لم تقطع علاقاتها الاستخبارية مع النظام السوري. وألمانيا نفسها أبقت الصلات مفتوحة مع حزب الله وإيران. ووفقًا لتقرير لوموند، كان على الاستخبارات الفرنسية أن تسعى عبر نظيرتها الألمانية إلى معرفة المعلومات التي تريدها من الجانب السوري، بشكل غير مباشر.
لكن العمل بالواسطة لا يفيد في الاستخبارات. فما كان من الاستخبارات الفرنسية إلا أن عادت إلى دمشق، مرسلة ضابط الارتباط الاستخباري الفرنسي في عمان، وأحد زملائه من جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية، ومهمتهما إعادة الاتصال بين جهازي الاستخبارات الفنسي والسوري، لأن الحوار في هذا المجال ضروري، ويمكن ان يحصل وفق مبدأ المقايضة.
عقدة السفارة
اصطدم الرجلان هناك بتعنت سوري. فقد طلب اللواء علي مملوك، مدير مكتب الأمن الوطني السوري، أن يوقف هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس انتقادهما العلني للنظام السوري، قبل أي تعاون استخباري. وهذا طلب لم يلقَ تجاوبًا في باريس.
وبالرغم من فشل المهمة، فتحت دمشق قنوات اتصال مختلفة، من أجل إقناع فرنسا بإعادة فتح سفارتها بدمشق، مقابل تعاون مضاد للارهاب. وقام بالمساعي في هذا السبيل وسطاء مختلفون، بينهم برلمانيون وأعضاء في لجان الصداقة الفرنسية السورية، فاتصلوا بإدارة الاستخبارات السورية لتمرير العروض السورية.
وقال برنار سكارسيني، المدير السابق للاستخبارات العامة الفرنسية، إن وسطاء كلموه لتسهيل التعاون بين باريس ودمشق، لكنه رفض الافصاح عن اسماء الوسطاء وعن علاقتهم بالنظام السوري. وتعدد الوسطاء، لكن الرسالة السورية كانت واحدة: "نحن نظام شرعي، وتعاوننا أكيد بعد فتح السفارة".
لا نية
بحسب لوموند، ترفض القيادة الفرنسية الانصياع للرغبة السورية، خصوصًا أن بشار الأسد يبحث عن طريقة ليفك عزلته الدولية، من خلال عرض خدماته ضد الارهاب والتطرف الاسلامي، الذي تؤمن باريس بأنه هو من أنشاه ليسخّره وسلية لتحقيق غاياته.
عادت الاتصالات الفرنسية السورية، الاستخبارية طبعًا، إلى الانقطاع، وأعلن ناطق بلسان مديرية الاستخبارات الفرنسية أن لا صلات مفتوحة مع الاستخبارات السورية، من دون أن يتنصل من المحاولة التي قادها ضابط الارتباط الفرنسي في عمّان.
وكانت وزارة الخارجية الفرنسية واضحة تمامًا، حين أكدت أن لا نية لفتح السفارة الفرنسية في دمشق قريبًا، بالرغم من أن لا إعلان رسمي فرنسي لقطع العلاقات بين باريس ودمشق. وأضاف متحدث بلسان كي دورساي: "نحن على موقفنا من دعمنا للمعارضة السورية المعتدلة ضد نظام الأسد، وضد التطرف والارهاب الذي يقوده تنظيم "داعش".
- See more at: http://www.elaph.com/Web/News/2014/10/947339.html?utm_source=feedburner&...