الإرهاب أشكال وألوان. يختلف نوع الإرهابيين وشكلهم وانتماؤهم وتوجهاتهم وطرق ممارستهم الإرهاب. لكن ما لا يختلف هو جوهر الإرهاب من حيث أنه استخدام منظم ومنهجي للعنف من أجل تحقيق أهداف سياسية. لذلك لا تستقيم حرب على الإرهاب إذا استهدفت نوعاً واحداً منه، وأغفلت غيره. أما إذا استعان من يشنون هذه الحرب بإرهاب لمحاربة آخر، فستصبح المعضلة أكبر. ويبدو أن هذا هو ما يحدث للمرة الثانية في حرب تشنها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، رافعة شعار محاربة الإرهاب. فهي تستعين، أو على الأقل تقبل استعانة حكومة بغداد بجماعات إيرانية وعراقية متطرفة لا تختلف في جوهرها عن تنظيم «داعش» الذي تستهدفه الحرب الراهنة. فلا يتجاوز هذا الاختلاف الانتماء المذهبي، وشكل ممارسة الإرهاب. كما أنها ترعى الإرهاب الصهيوني الأسبق من غيره في الشرق الأوسط.
فلم يعد مخفياً أن الجماعات التابعة للحرس الثوري الإيراني، ومليشيا المتطوعين في هذا الحرس نفسه (الباسيج)، تقوم بدور رئيسي في محاربة «داعش» في العراق تحت اسم «قوات الحشد الشعبي». ومن هذه الجماعات «منظمة بدر»، و«كتائب حزب الله»، و«قوات الشهيد باقر الصدر»، و«عصائب أهل الحق» المنشقة عن «جيش المهدي»، و«لواء أبي الفضل العباس»، و«سرايا السلام».. وغيرها.
وتختلف أساليب هذه الجماعات عن المنهج الذي يتبعه «داعش» في تفاصيلها، لكن ليس في جوهرها. فهي تمارس أعمال «تطهير عرقي» في أية منطقة تدخلها، ويرفع بعضها أعلامه رغم أنها تقاتل بجوار الجيش العراقي الرسمي، لكن الواقع أنها هي التي تملك القرار فيه حتى الآن رغم محاولات رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي إصلاح شيء مما أفسدته سلطة نوري المالكي خلال توليه رئاسة الحكومة. فمثلا عندما تم طرد مقاتلي «داعش» من بعض المناطق التي سيطر عليها في الشهور الأخيرة، لم تسمح تلك المليشيات بإعادة الأهالي العرب السُنة الذين فروا منها حين احتلها هذا التنظيم، وأصبح هذا نمطاً متكرراً يشمل إخلاء بلدات يتم تحريرها من «داعش» بحجة تطهيرها من الألغام، على نحو يثير القلق من خطة لتهجير السُنة العرب من مناطق «حزام بغداد السُني». وفي غضون ذلك، حفلت ممارسات «دواعش» ولاية الفقيه بأعمال إرهابية.
لذلك أخطأت منظمة العفو الدولية عندما وصفت تلك الممارسات بأنها جرائم حرب. فهذه الجرائم ترتكبها جيوش نظامية، ويُطلق عليها أحياناً «إرهاب الدولة». أما ممارسات جماعات ولاية الفقيه المتطرفة فهي نوع من الإرهاب، لأنها تشمل –كما جاء في تقرير المنظمة– القتل الجماعي والخطف والعنف الطائفي والمذهبي، في إطار استخدام الحرب ضد «داعش» ذريعة لشن هجمات انتقامية ضد المواطنين السُنة.
لا فرق في الجوهر إذن بين «دواعش» السلفية الجهادية المسلحة، و«دواعش» ولاية الفقيه الشيعية المسلحة.
وقل مثل ذلك عن «دواعش» الصهيونية اليهودية المتطرفة التي لم يعرف الشرق الأوسط إرهاباً قبل أن تستوطن فلسطين وتتوسع فيها ثم تغتصبها. فكانت ممارسات عصابات الإرهاب الصهيونية هي المُفجِّر الأول للتطرف السياسي والديني، في البلاد العربية منذ الأربعينيات.
وتمارس عصابات المستوطنين بعضاً من إرهابها في حماية الحكومة والجيش كما يحدث الآن في القدس، في ظل شواهد على أن حكومة نتنياهو تطلقها على الفلسطينيين لإرهابهم ودفعهم للهجرة.
وإذا كان «داعش» يرفع راية دينية، فكذلك عصابات المستوطنين وجماعات «ولاية الفقيه» المتطرفة سواء بسواء. ولأن إرهاب هذه الجماعات وتلك العصابات يخلق استفزازاً يفيد «داعش» ويوفر له حاضنات اجتماعية في بعض مناطق العراق وسوريا، فلا مجال لكسب الحرب ضده بدون موقف قوي تجاهها.
لذلك ربما تكون الخطوة الأولى في اتجاه الانتصار على «داعش» هي مراجعة الإدارة الأميركية موقفها بشأن مشاركة «دواعش» ولاية الفقيه في الحرب واتخاذ موقف واضح تجاه الإرهاب الذي تمارسه، وممارسة ضغوط على الحكومة الإسرائيلية لوقف إرهاب «دواعش» المستوطنين، وإعادة النظر في سياستها المتعنتة من قضية الدولة الفلسطينية.