الشعب السوري قرر مصير الأسد

خميس, 2017-04-06 09:21
بكر صدقي

وزير الخارجية الأمريكي ريكس تليرسون «بق البحصة» الثمينة، أخيراً، وقال إن «الشعب السوري هو من يقرر مصير الأسد»، مستكملاً بذلك ما بدأته مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة من كشف عن «جديد» إدارة ترامب حيال الصراع في سوريا: «تنحية الأسد لم تعد أولوية أمريكية»!
لم يتأخر بطل السلاح الكيماوي بشار حافظ الأسد في رد هذه التحية بأحط منها، فضرب بلدة خان شيخون بغاز السارين، ثم قصف المستشفى الذي حاول معالجة ضحايا المجزرة الكيماوية، ليقتل من بقي من المصابين على قيد الحياة مع من يحاول إسعافهم من أطباء، مقدماً بذلك أوراق اعتماده لدى واشنطن الجديدة بقيادة ترامب.
فإذا كان ضربه للغوطة بالسلاح الكيماوي، في 21 آب/اغسطس 2013، قد أدى إلى استعادة شرعيته لدى إدارة أوباما، عبر صفقة تسليم هذا السلاح، فربما يطمح بطل الكيماوي، من خلال مجزرة خان شيخون، إلى تلقي الاتصال الذهبي من دونالد ترامب، إذا صحت هذيانات جريدة الأخبار اللبنانية بصدد طلب الأخير موافقة نظيره بشار على إجراء تلك المكالمة الهاتفية. فحتى هذه الجريدة السوداء قد تصدُق القول مرة في عمرها، ما دام الأمر يتعلق بشخص بمواصفات ترامب.
كان السؤال الذي يشغل بال المراقبين، إلى ما قبل التصريحات الأمريكية الأخيرة، هو كيف يمكن التوفيق بين السعي الأمريكي المعلن لتحجيم الدور الإقليمي لإيران، وعدم الانشغال بمصير النظام الكيماوي، وترك هذا الأمر بصورة تامة لروسيا؟ وها هي الفكرة «العبقرية» التي «وجدتها» إدارة ترامب لحل هذا التناقض: الإبقاء على النظام الكيماوي مقابل عزله عن إيران! هذا ما سبق تجريبه بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وأدى إلى تحقيق مكاسب صافية لإيران وتابعه السوري، مع مزيد من التحاق التابع بالمعلّم.
والمعادلة أكثر صعوبة اليوم. فعزل النظام عن إيران، يحتاج إلى فك عرى التحالف الروسي ـ الإيراني أيضاً، وهو ما يبدو متعذراً اليوم على رغم خلافات كثيرة بين الجانبين، ظهرت في مناسبات عدة، ميدانياً، في سوريا. لا يمكن لروسيا أن تتخلى عن إيران ما لم تتلق الثمن المطلوب في أوكرانيا: الاعتراف بشرعية إلحاقها لشبه جزيرة القرم ورفع العقوبات عنها. وهو ما يبدو، إلى الآن، أنه ليس في وارد الأمريكيين والأوروبيين. بهذا المعنى يصبح إخراج إيران من سوريا إضعافاً للموقف الروسي في نزاعها البارد مع الغرب. ولو كان الأمر متعلقاً بنظام الأسد وحده لما كان لديه مانع من بيع إيران مقابل الحماية الروسية الدائمة، المعززة أمريكياً.
تذكرنا الإدانات الدولية لمجزرة خان شيخون، ومحاولة موسكو التملص من المسؤولية عنها، بأجواء ما بعد مجزرة الغوطة في آب/اغسطس 2013.
 سنرى في الأيام والأسابيع القادمة كيف سيتغلب المجتمع الدولي على حرجه حيال ما حدث، ويتابع مراقبته للمجزرة التي ستتواصل في سوريا، مع إعادة التوكيد على أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد الممكن من «الأزمة»!
بين ردود الفعل الأولية على المجزرة، كان الرد الأمريكي لافتاً ببلاهته: الإدارة السابقة هي المسؤولة عما حدث في خان شيخون! أهذا صحيح حقاً؟ قد يكون صحيحاً أن تراخي إدارة أوباما إزاء الخط الأحمر الشهير بصدد استخدام الكيماوي قد أدى إلى تمادي النظام، في السنوات اللاحقة، في سحق السوريين، لكن ذلك كان مقابل نزع سلاحه الكيماوي، على الأقل القسم الذي أعلن عنه.
 وصحيح أنه كرر استخدام غاز الكلور مرات عديدة بعد ذلك، لكنه لم يجرؤ على استخدام السارين إلا بعد الإشارات المشجعة التي وصلته من واشنطن.
 فحين تقول لنظام بهذه المواصفات إن الشعب السوري هو من يحدد مصيره، فهو الذي يصبح أكثر حرية في تحديد مصير الشعب السوري. وهذا ما لم يتغير بين عهدي أوباما وترامب. فحرب النظام، على المعارضة المسلحة والمدنيين، مستمرة بلا توقف على رغم وقف إطلاق النار الروسي ـ التركي الذي لم يعلن أحد عن انهياره بعد. والتهجير القسري للسكان مستمر على قدم وساق.
 وقتل المعتقلين مستمر في المسالخ البشرية لنظام الأسد الكيماوي. فما هذه الشطارة في إلقاء المسؤولية على الإدارة السابقة، على رغم أنها تستحق كل الإدانة في سياستها السورية (والإيرانية استطراداً)، في حين أن المجزرة الكيماوية الجديدة وقعت الآن وهنا. فما الذي لدى إدارة ترامب لتقدمه من سياسة تصحح ما اقترفته الإدارة السابقة بهذا الخصوص؟
في الواقع العملي، وبسبب التواطؤ الدولي، النظام الكيماوي هو من يحدد مصير السوريين، وليس العكس. هو الذي يقرر متى يصبح «النسيج الديموغرافي مناسباً» على ما قال مرة بشار الكيماوي في تصريحات لوسائل إعلام غربية.
أما من حيث الشرعية، فكل العالم يعرف أن الشعب السوري قد قرر، منذ ست سنوات، مصير هذا النظام المجرم بصورة لا رجعة عنها: إلى مزبلة التاريخ. مع أقرانه وأشباهه.

نقلا عن القد س العربي