الدروس المقلقة للهجوم «الكيماوي» السوري

جمعة, 2017-04-14 11:13

من ناحية صافي الأرقام، فالهجوم بالغاز العصبي يوم الثلاثاء 04/04/2017 بالقرب من مدينة خان شيخون السورية، يعتقد بأنه تسبب في مقتل 70 شخصا على الأقل، وهو عدد يراه البعض ليس كبيرا بالمقارنة مع ما خلفته الحرب التي أسفرت عن مصرع مئات الآلاف من الأشخاص.

ولكن هذا لم يكن أبدا الغاية من الأسلحة الكيماوية. ومنذ أن كانت القوى الأوروبية تقوم باستخدامها لأول مرة منذ أكثر من قرن من الزمان في ذروة الحرب العالمية الأولى، فقد تحملوا ثمن صدمة نفسية وسياسية في نواح كثيرة بما يتناسب مع تأثيرها المادي أو العسكري. وبجانب تهديد الحرب البيولوجية، فهم يتحملون كما كبيرا من الخوف.

جدير بالذكر أنه في خنادق الحرب العالمية الأولى، لاحظ الأطباء أن الخوف من شن هجوم الغاز الذي تجاوز في كثير من الأحيان المدفعية التقليدية والقنابل، قد تسبب في قتل العديد من الناس. وفي نهاية هذا الصراع، كانت أقنعة الغاز الأساسية ومعدات الحماية الكيماوية تعني أن العديد من الجنود يستطيعون الصمود على قيد الحياة في مثل هذا الهجوم.

وعلى الرغم من ذلك، فهذا الرعب الذي تسببه تلك الحملات كان أساسيا في الضغط على معظم الدول لحظر مثل هذه الأسلحة. وفي الإجمال، قامت 192 دولة الآن بالتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية لعام 1993 بالإضافة إلى تدمير أكثر من 90 في المئة مخزونات الأسلحة الكيماوية المتواجدة بالعالم بحلول نهاية العام الماضي.

وما تظهره الحرب الأهلية السورية هو إعادة الوضع إلى سابق عهده، وهو أنه يجوز للحكومات أحيانا استخدام تلك الأسلحة ضد شعبها دون المعاناة كثيرا من العواقب.

وفي الأسابيع الأخيرة رأى كبار المسؤولين ومنهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس أن الإطاحة ببشار الأسد لم تعد أولوية، ويبدو أن حكومة النظام السوري تظهر بوضوح أنه يمكنها التعامل ضد أعدائها المحليين والإفلات من العقاب. وهذا يبعث برسالة مقلقة تتعلق بتآكل القواعد والمعايير العالمية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل، وذلك فضلا عن حدود القوة والنفوذ الأمريكيين. وبالنسبة لأولئك السوريين الذين لا يزالوان يقاتلون الحكومة، يعد هذا تحذيرا وحشيا حول تكلفة المزيد من المقاومة.

يذكر أن هذا يعد تكتيكا جديدا وبقوة، كما أن الإمبراطورية البريطانية قامت باستخدام الغاز السام ضد القرى العراقية خلال العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين لنفس هدف موسوليني إيطاليا خلال غزوها للحبشة، وإثيوبيا الآن. واستخدم صدام حسين غاز السارين ضد المدنيين والأكراد حول بلدة حلبجة، مما أسفر عن مقتل ما يقدر بنحو عدة آلاف وتثبيت سمعته بالتعامل الوحشي.

وفي هذه الحالة، هناك الكثير من الأمور الغامضة بشكل متعمد، مثل زيادة الحد من الاستجابة الخارجية أو الانتقام. وتقول الحكومات الغربية فضلا عن المراقبين المستقلين، إن الأدلة تشير إلى توجيه ضربات متعمدة من قبل القوات الجوية السورية. غير أن حليف الأسد الروسي قال إن المواد الكيماوية أطلقت عن طريق الصدفة من أحد منشآت الأسلحة عن طريق غارة قصف حكومية.

ويمكن أن يكون ذلك ممكنا، على الرغم من أن معظم الأدلة حتى الآن ضده، وليس أقلها الصور التي توضح أن الذخائر سقطت على الطرق في البلاد. وقد حاولت الجماعات المسلحة بشكل دوري بناء مثل هذه الأسلحة، وتنظيم الدولة (داعش) بشكل خاص قد نشر الغاز السام في معاركه من أجل الاحتفاظ بالسيطرة على ثاني أكبر مدينة في العراق، وهي الموصل.

ومع ذلك، كان لهجوم يوم الثلاثاء تشابهات صارخة مع الضربة الكيماوية السابقة للحكومة على ضواحي دمشق في عام 2013، والتي أسفرت عن مقتل عدة مئات من المدنيين، كما بدت لفترة وجيزة كما لو أنها ستوجه الولايات المتحدة نحو صراع عسكري مباشر مع الأسد.

وقد أعلن الرئيس باراك أوباما وغيره من القادة الغربيين أن استخدام الأسلحة الكيماوية سيكون “خطا أحمر” من شأنه أن يؤدي إلى التدخل الخارجي. ولكن النظام السوري بدأ بالفعل في تخطي تلك الخطوط بهجمات كيماوية أصغر بكثير خلال عام 2013، مما ادى في كثير من الأحيان إلى قتل عدد قليل من الناس.

جدير بالذكر أن سوريا قد وقعت على اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية في عام 2013 وكان من المفترض أن تقوم بتسليم جميع مخزوناتها الكيماوية كجزء من اتفاق توسطت فيه روسيا، وذلك لتجنب العمل العسكري الأمريكي بعد هجوم دمشق. ويبدو الآن أن الأمر لم يكن كذلك، فقد جاء هجوم يوم الثلاثاء بعد سلسلة من الهجمات الكيماوية المحدودة.

ويعتقد الأسد ومؤيدوه الروس تقريبا أن إدارة ترامب بالتأكيد لا تنوي القيام بأية نوع من الرد العسكري، على الأقل مثل البيت الأبيض في عهد أوباما، فلم يكن لديه الرغبة في تدخل طويل الأمد ولا استراتيجية خاصة للتعامل معهم.

وما يدعو للسخرية هو أنه مثلما كانت الحكومة السورية تبرهن على مدى فاعلية الذخائر الكيماوية كسلاحا سياسيا، عبر الحدود في العراق، فقد كان تنظيم الدولة يحاول البحث في مدى التأثير المحدود لتلك الأسلحة في ساحة المعركة. وقد أبلغت قوات التحالف ومراقبو حقوق الإنسان عن العديد من الهجمات الغازية البدائية نسبيا في سبتمبر وأكتوبر والشهر الماضي، ولكنهم أفادوا بإصابة أعداد صغيرة نسبيا من الناس.

ويرى البعض أنه على مدار العقود التي سادها القلق بشأن الهجوم الكيماوي والبيولوجي من قبل المسلحين، فقد كانت نادرة بشكل ملحوظ، وكثيرا ما كانت غير فعالة.

ويقول الخبراء إنه في الوقت الذي يرغب فيه كلا من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة (داعش) وضع أيديهم على أسلحة كيماوية وبيولوجية، فلم يقدموا على ذلك على سبيل الأولوية. وفي الآونة الأخيرة، كانت تلك المجموعات تميل إلى التركيز على الهدف الآخر من الطيف التكنولوجي، وذلك باستخدام أبسط الأسلحة المتاحة مثل الشاحنات والسكاكين والأسلحة النارية في هجمات كتلك التي حدثت في بروكسل أو باريس أو في وستمنستر الشهر الماضي.

يذكر أن هذا قد لا يكون هو الحال دائما. وبعد أن فشلت في محاولاتها صنع أسلحة بيولوجية،  صنعت الطائفة اليابانية أوم شينريكيو بنجاح غاز السارين وقامت باستخدامه في مهاجمة مترو أنفاق طوكيو في عام 1995، مما أسفر عن مصرع 12 شخصا وإصابة المئات. ويقول الخبراء إنهم لو كانوا قد قاموا بتطوير نظاما أفضل لتوزيع المادة الكيماوية، لكان عدد الوفيات يمكن أن يكون أعلى بكثير.

ولكن بشكل عام ما حدث في سوريا يوم الثلاثاء ماهو إلا تذكير بأن من هم أكثر عرضة لخطر هجمات الأسلحة الكيماوية، هم الذين ترغب حكومتهم في جعلهم عبرة.

وإنها لحقيقة قاسية أنه لا الولايات المتحدة ولا أية دولة غربية أخرى تدرك ما ينبغي القيام به بهذا الشأن.

 

المصدر: ميديل إيست مونيتور