بخصوص الـ(إ)ـعدامية

سبت, 2014-12-27 08:18
أبو العباس إبرهام

في القضايا العامة الثلاثة المطروحة أمام الجمهور الموريتاني لا صوتَ يعلوـ وإن يتفاوت- فوق صوتِ الإعدام: قضية ولد امخيطير؛ قضية الحقوقيين بروصو؛ قضية المغتصبين بعرفات. هنالك جرائم شنيعة في بعضِ هذه؛ ليست هنالك جرائم في بعضها.

لاحظ جورج أورويل أن الجمهور الإنجليزي الذي كان يرفض إعدام قاتل قبل الحرب العالمية الأولى أصبح إعدامياً بحقِّ لصٍ اقتحم داراً بعد الحرب! لقد غلّظت الحرب قلب الشعب. وفي موريتانيا غلّظت الجرائم وضياع الدولة والصراعات العرقية والمذهبية قلوب الناس. ضياع الدولة وانسحابُها الأمني يُلقي العبء الأمني على المواطن ويجعله رجل شرطة بديل. لا علاقة للإسلام بالأمر. إنّها السياسة. إنّها التعويضات النفسية.

ظاهرياً تبدو المطالب الإعدامية عدلية (لولا العنف والتكفير الذي تُقدّمُ به)، ولكننا أمام موجة تغليظ قلوب وهيستيريا الجماهير. وهنالك حالة غير مفهومة من العنف والابتزاز الفكري، الذي يُطابِق رفض الإعدام بتبني الأفعال الإجرامية. يقول هذا الابتزاز: إما أنّك تدعم قطع رأس امخيطير أو أنّك شريكه في رأيه. أي سخافة هذه؟! من أين جاؤوا بمانويتِهم وبوشويّتِهم هذه؟ جاؤوا بها من سياقِهم السياسي الحداثي.

ومثلاً من أين أتى الإعداميون بالهجوم على رافضي الإعدام وسبِّهم وتكفيرِهم وحذفهم؟ حسب علمي معظم الذين يرفضون حدِّ الرِّدة يرفضونه من منظور إسلامي صرف ( إما من منظور عقلي يرى أن الإسلام ليس انتقاميا، وإماّ من منظورٍ نقلي يريد استخدام التوبة والشبهة كنإنقاذ من الإعدام). لماذا يتم تخريجهم؟ من يمتك حقّ تخريجهم؟

لقد كان الإسلام دوماً ساحة للتعدُّد المذهبي وتضارب الأقوال. وفي عصرنا الحديث عمّمَ الإسلاميون من عبد الرحمن أبو زهرة إلى أحمد الريسوني القول الرافضَ لحدِّ الردة. وفي الحزب الإسلامي الموريتاني الأول هنالك رأيان: رأي مدحورٌ ومذموم من قبل أعدائه، ولكنه موجود، ينفي حدّ الردة ويقول به كاتب إسلامي ورأي يؤكد هذا الحد ويُثبِتهّْ وقال به حبر الحزب ثم رئيسه. الدولة الموريتانية تمتلك رأيان: رأي الاستتابة الذي في قوانينها ورأي القتل الذي ابتزّها به عالم وشارع مادَ يُسقط النظام في ليلة ليلاء، فتخلّت عن تقنيناتِها وقبلت برأي العالم وأعادت الإحراج إليه (لأنه سيضطرُ لشُكرِها أو التشاغل).

والبيروقراطية الموريتانية تمتلك رأيان: رأي القتل الذي قالت به المحكمة الابتدائية ورأي السجن الذي قد تقول به المحكمة الاستئنافية، أو رأي التعطيل الذي قد تعمل يه الإدارة في غياب استئناف (لأن المستأنِفين لا يأمنون على أنفسهم من العنف الجماهيري السائد).

أما جمهور الإعداميين فلم يصبح إعدامياً إلاّ في إطار تحولات، كان معلمياً فيها فتوى فقيه موريتانيا. قبل ذلك، أي حتى فبراير 2014، كان الجمهور يُطالب بالسجن وسحب المقال. وكان الإعدام، الذي أصبح اليوم مقدساً، لا مُفكّراً فيه عنده حينَها. يجب عرض القضايا على تواريخِها لإثبات زيف جوهرانيّتِها.

إذن هنالك تقاليد مختلفة في هذه الملحمة. هل يمكن خوض هذا النفاش باحترام هذا الإختلاف؟

من صفحة الكاتب على الفيسبوك