«الناتو العربي».. هل يحتاجه الشرق الأوسط؟

سبت, 2017-05-20 11:52

هذه الأيام، أصبح متوقعًا طرح سؤال مهم قائم على ما تشهده منطقة الشرق الأوسط حاليًا، من مستويات جديدة من الأزمات والاضطرابات، وهو: هل تحتاج المنطقة إلى نسخة خاصة به من حلف الناتو؟

ظهرت هذه الفكرة أول مرة في صحيفة “الواشنطن بوسن” هذا الأسبوع؛ حيث ذكر “جوش روجن” في مقاله عن احتمالية عرض ترامب اقتراحًا بتأسيس تحالف أمني في المنطقة بين الدول العربية، أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية.

ليس غريبًا أبدًا أن يكون أهم ميناءين في المنطقة، وهما السعودية وإسرائيل، ضمن أهم المحطات لزيارة ترامب الخارجية، حيث اهتمت الإدارة الجديدة بوضع قضية السلام وإستقرار الشرق الأوسط على أولويات أجندتها للسياسات الخارجية.

إلى جانب خطة الرئيس الأمريكي في سياساته الخارجية بزيارة الدول الهامة، قابل الرئيس الأمريكي في واشنطن العديد من الزعماء من مصر، الأردن، الإمارات وتركيا. من كل هذه الاجتماعات، يبدو إصرار أمريكا على تأسيس تحالف في المنطقة، سعيًا وراء هدفين استراتيجيين مهمين، وهما مواجهة أمريكا لسيطرة إيران المتزايدة، والقضاء على داعش وتنظيم القاعدة.

في الماضي، استطاعت أمريكا إدارة سيطرتها وتأثيرها على الشرق الأوسط من خلال تحالفات ثنائية، لكن حتى أثناء انتقال السلطة الأمريكية، كانت هناك العديد من المقترحات التي تسعى إلى تأسيس بناء أمني مشترك، أكثر احترافية ومتعدد الجنسيات على طريقة حلف الناتو.

لكن لا بد أن نعلم أن فكرة إنشاء حلف ناتو في الشرق الأوسط لم تكن بالفكرة الجديدة من نوعها، حيث دعمت أمريكا، في أوائل الخمسينيات من القرن التاسع عشر، حلف بغداد (حلف المعاهدة المركزية)، في محاولة لخلق مملكة متحدة مكونة من تركيا، العراق، إيران وباكستان، كاستراتيجية لاحتوائهم ضد الاتحاد السوفيتي.

عندما انهارت هذه المعاهدة، وصفها مايكل دوران في كتابه الرائع بعنوان “مقامرة إيكي: الصعود الأمريكي للسيطرة على الشرق الأوسط” عام 2016، بأنها أوضحت فشل أمريكا في فهم الديناميكية الداخلية للمنطقة. يترتب نجاح أي تحالف أمني على وجود تحديات مشتركة، لكنها غير كافية بالمرة لقيام تحالف ما والحفاظ عليه.

 

المصالح المشتركة تُبقي التحالفات:

عادة ما مثّل تضارب المخاوف في الشرق الأوسط عقبة أمام أي محاولة لبناء التحالفات به. فمثلًا، حاول مجلس التعاون الخليجي التقارب عن طريق إرساء أسس للتعاون العسكري بين أعضائه، لكنها ظلت مجرد محاولات لم ترتقِ إلى أي فعلٍ جاد، إلا أن أمريكا نجحت في حبك قوات موحدة عربية، أثناء حرب الخليج الأولى لغرض محدد ولفترة معينة، وهو ما لم يتحمل البقاء ككتلة واحدة حتى نهاية الحرب.

يرى لوك كوفي، باحث بمؤسسة التراث العالمي، فيما يخص التحالفات العربية في الشرق الأوسط، أن “تتوغل عدم الثقة والشكوك كثيرًا بين دول منطقة الشرق الأوسط، لذلك من الصعب أن تتكون أي تحالفات ذات قدرة تأثيرية. أفضل طريقة تستطيع أمريكا استخدامها لتحسين القدرات الدفاعية في المنطقة هي توطيد العلاقات الثنائية بين أهم دول المنطقة”. حتى وإن لم تتكون فعليًا أي نوع من هذه التحالفات، سينتج على الأقل قيمة مهمة من اقتراح مثل هذه الفكرة.

من المؤكد أن كل من الدول العربية وإسرائيل حريصين على عودة نشاطات أمريكا في المنطقة، وعودة مساعداتها لمواجهة مخاطر إيران وداعش وتنظيم القاعدة. أي مساعدة تختص بالأمن والدفاع عن العرب يتم الترحيب بها بشدة لأنها وسيلة للضغط على إيران، لكن على البيت الأبيض أن يحدد توقعاته من هذا الصدد.

من المحتمل ألا يتم أي تحالف رسمي في المنطقة بسرعة، وإلا ستكون تحالفات ذات قيمة عملية قليلة. إلى جانب ذلك، إذا ما تم التريث في قيام مثل هذه المعادلة المشتركة، فلا بد وأن تحرص أمريكا ألا تصبح بمثابة البديل للعلاقات المزدوجة التي تتمتع بها الآن مع دول الشرق الأوسط.

قد تبدو فكرة قيام حلف ما جيدة، إذا ما اعتُبر مجرد اقتراح يساعد على استيعاب المنطقة لعودة أمريكا الحقيقية؛ لكونها قوة توازن تساعد على فض الفوضى القائمة حاليًا في الشرق الأوسط. على أمريكا أن تبتعد عن استثمار مجهوداتها في إجبار مثل هذا التحالف على القيام بمهمات معينة في الوقت الراهن، مثل تدمير خلافة داعش، وحل مشكلة اللاجئين المتراكمة، والتعامل مع التهديدات الإرهابية الناتجة عن وجود داعش في المنطقة، ومنع كل من الصومال، ليبيا واليمن من التحول إلى قواعد أساسية جديدة لتصدير الإرهاب عالميًا، والقضاء على تزايد سيطرة إيران في المنطقة.

مثل هذه المهام تتطلب تدخل المساعدات الأمريكية العسكرية والدبلوماسية، ولا تتطلب بالضرورة خلق تحالف كبير، إن حدث ذلك من الأساس.

 

المصدر: ذا ناشونال إنترست