أن تزيّف "أهرام السيسي" مقالاً بالإنجليزية، وتلوي عنقه وتعلقه وردة في عروة الجنرال، فهذا ليس استثناءً، فالحاصل أننا بصدد تصنيع حالة زعامة تفتقر لمؤهلات هذه الزعامة، ومن ثم تجري عملية "تجميع زعيم" قطعة من عبد الناصر، عندما تشدّ الرحال إلى الشرق، وقطعة من السادات كلما أبحرت السفينة غرباً، وكل أجزاء مبارك، كل الوقت.
لقد افترست "الأهرام" مقالاً لصحيفة "واشنطن تايم" وحوّلته بقدرة قادر إلى معلقة في مديح العسكر، لكنها وغيرها من صحف النظام لم تسمع أن كبرى الصحف الأميركية "نيويورك تايمز" قالت في افتتاحية تحدث عنها العالم إن الرئيس الحالي وصل إلى الحكم عبر انتخابات مزورة.
تتعطل مهارة الترجمة عندما يكون الأمر متعلقا بنص ضد سلطة الانقلاب، لكنّ الإعلام المصري كله يتحول إلى "عشش ترجمان" إذا كان النص حمّال أوجه، ويصلح كلافتة دعم للقائد الزعيم.
حدث ذلك مبكرا للغاية حين كان الدكتور محمد البرادعي نائبا للرئيس المؤقت الذي منحه وزير الدفاع منصب الرئاسة في ذلك الوقت، حيث شهد المؤتمر الصحافي بين البرادعي وكاترين أشتون مبعوثة الاتحاد الأوروبي عملية تزييف فاضحة لحديثها المذاع على الهواء مباشرة، لتتولى مترجمة التلفزيون المصري مهمة تحويل "أشتون" إلى عاملة في بلاط الانقلاب.
وعلى هذا المنوال تجري عمليات تزييف للوعي وللحقيقة يوميا، وكما يفترسون الترجمة، فإنهم ينهشون الطفولة، فيضعون على لسان طفل في العاشرة من عمره خطاباً ينوء بترديده أساتذة كلية الإعلام، خذ عندك مثلا هذا الخبر الأسطوري عن طفل العاشرة الذي قام بعملية تحليل مضمون لخمس قنوات فضائية مناوئة للانقلاب، ثم توجه ليقدم بلاغاً إلى النائب العام يطالب بمنع بثها، خوفاً من الطفل على أمن مصر القومي، وكأن مصر خلت من المخبرين الكبار، حتى يتم تخفيض العمر المطلوب لوظيفة "مخبر" إلى سن العاشرة.
الخبر المعجز عن الطفل المعجزة نشرته صحيفة "الوطن" على النحو التالي:
"كلما أدار مؤشر الريموت كنترول وشاهد القنوات الفضائية التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي، وما تبثه من سموم، شعر بضيق وحزن دفعاه إلى التقدم ببلاغ إلى النائب العام يطالب فيه بإغلاق هذه القنوات التي لا تنشر إلا أكاذيب. كريم حمدي، صاحب البلاغ، ليس شاباً يافعاً، ولكنه طفل عمره 10 سنوات أدرك خطورة قنوات، مثل: "رابعة"، و"الشرعية"، و"القدس" و"مكمّلين"، فقرر أن يقوم بموقف إيجابى بدافع حبه للوطن".
أي وطن هذا الذي ينحر طفولة صغاره قرباناً للحاكم!
هو وطن مخطوف بوساطة مجموعة مدربة على أعمال القنص، قنصت أول ما قنصت وعياً جمعياً، صار متمرّساً على ابتلاع كل ما هو زائف وأسطوري، هاضماً لكل أصناف الإعلام المسرطن، فيصبح عادياً أن تقرأ عن ضبط "إرهابيين" بحوزتهم استيكر مدون عليه "أغيثوا غزة" و8 استيكرات مدون عليها "غزة رمز العزة"، وهاتف محمول، كما جاء في نص واحد صاغه الأمن ووزعه على الصحف اليومية، أو لا ينزعج أحد حين يهدد مذيع "عميق جداً" ناشطاً سياسياً من شباب ثورة يناير بأن يأتي بأمه من البيت ويعلقه أمامها.
باختصار كلٌّ مسخرٌ للطواف حول مقام "أول رئيس عسكري فوتوشوب مدني منتخب"، لكنها انتخابات مزورة كما قالت "نيويورك تايمز" بعد أيام من اشتعال إعلانه بقصائد انتصاره المظفر في"غزوة نيويورك"