تحليل نفسي.. لماذا يتحول الشباب في الغرب للتفكير الجهادي؟

أحد, 2017-05-28 16:55

بعد هجمات مانشستر، استمر كثيرون في حالة من الحزن والبحث عن تفسير لهذا العنف غير المبرر. بدأ البعض كالعادة في التأكيد على أن الإسلام هو المُلام؛ بسبب الآيات التي رأوا أنها تحرض على العنف، بينما أكد آخرون أن الأيدولوجية التي تدفع البعض للقيام بمثل هذه العمليات جاءت من تفسيرهم الخاطئ لآيات القرآن.

في النهاية تبقى الحقيقة واحدة، وهي أن هناك حوالي 1.6 مليار مسلم في العالم، تُدين الغالبية العظمى منهم هذه الأفعال، ويعتبروا أن داعش تمثل الشر، ولذا ما الذي يدفع المتطرفين للقيام بمثل هذه الأعمال باسم الإسلام؟

اعتبر الكثير أن السياسة الخارجية الغربية عاملًا هامًا في هذه الأزمة، لكن هناك العديد من المواطنين البريطانيين من كل الديانات يرفضون السياسة الحالية، لكن لا يقومون بأفعال دامية.

يمكن القول إن هناك عامل هام أسهم في الأزمة، مستمد من علم النفس، وهو التثاقف، أي عملية موازنة تأثير ثقافتين مختلفتين. على سبيل المثال، بما أنني بريطانية باكستانية، فلدي تأثير ثقافي باكستاني حصلت عليه من أسرتي، وهناك تنافس بداخلي بسبب ثقافة بريطانيا التي أعيش بها.

هناك العديد من النتائج المحتملة لمثل هذه العملية، الأولى: خسارة الثقافة القديمة بمعنى احتمالية خسارة المهاجر لكل ما يربطه بموطنه الأصلي. الثانية: الاستيعاب، أي عندما يحتفظوا ببعض الارتباط بالثقافة القديمة، لكن يتكيفوا بشكل كامل مع ثقافة الدولة التي تستضيفهم. الثالثة: الاندماج عندما يحتفظوا بثقافتهم القديمة الكاملة، في حين يتكيفوا ويصبحوا أعضاءً مع المجتمع الجديد. أخيرًا: الرفض، أي عندما يرفضوا ثقافة الدولة التي يقيمون بها لصالح ثقافتهم الأصلية.

تتأثر نتيجة عملية “التثاقف” بعدد كبير من العوامل، منها العلاقات الأسرية والشخصية، ودرجة القبول الاجتماعي والاقتصادي من الغالبية التي تعيش في المجتمع. يمكن أن تكون هذه العملية مرهقة، حيث تحاول الموازنة بين ثقافة أسرتك وثقافة الدولة التي تعيش بها، بجانب التعامل مع تجارب العنصرية، وتوازن بين ديانتك والقيم الغربية. يمثل كل ذلك تحديًا للعديد من الشباب المسلمين الذين يعيشون في دول غربية.

بالنسبة للأشخاص الذين يجدون أنفسهم في حالة من الاستغراب بشأن ثقافة أسرهم، بجانب العدائية التي يقابلونها من المجتمع الجديد. قد يبحث هؤلاء عن ثقافة ثالثة تزودهم بشعور من الانتماء. هذا قد يكون أحد الخيارات المتاحة لهم، وفي هذه الحالة تصبح عقولهم أرضًا خصبة للتطرف.

يعد الشعور بالاغتراب عن الأسرة والمجتمع بمثابة طريق ممهد لهؤلاء الشباب؛ للوقوع في أيدي ثقافات العصابات. لكن في هذه الفترة، فالثقافة المتاحة للشباب الذين يشعرون بغرابة في مجتمعهم، هي الثقافة المتطرفة التي تُقدم تقدير الذات والهوية في مقابل الولاء لبيانهم العنيف والمفلس أخلاقيًا. بمجرد أن يصبحوا أعضاءً في هذه المجموعات، تصبح الأفكار الخطيرة والسلوكيات طبيعية سريعًا.

تتورط العوامل الاقتصادية والاجتماعية في عوامل التطرف، ومنها الفقر ونقص الفرص، والبطالة والتعليم الضعيف. رغم أن ذلك يمكن تصوره، إلا أن الأدلة في هذا الشأن محدودة، وربما يعتبر انخفاض الثقة بالنفس، الناتج عن التهميش، وسيطًا هنا، ويتم المتاجرة به عن طريق مجموعة من الشباب الساخطين؛ من أجل الاحساس بالهدف وهو ارتباطهم بالجهاديين.

يلعب دعاة الكراهية المتطرفين، ووسائل الإعلام التابعة لداعش، دورًا هامًا في تحويل المتطرفين إلى إرهابيين، وربما الأشخاص الذين يسهُل تحويلهم من التطرف للإرهاب هم الأكثر عرضة للخطر، والأكثر تأثرًا بخطابات الجهاديين.

رغم صعوبة فهم العوامل التي تؤدي إلى التطرف وتعقدها، إلا أن هناك بعض الدلائل الواضحة ويجب أن نتصرف وفقها. يعتبر العمل المجتمعي الجمعي الميزة الأساسية التي استُخدمت في الاستراتيجية المناهضة للعصابات حول العالم، وربما تكون فعالة في مواجهة التطرف والإرهاب، بدءًا من ضرورة وجود روابط قوية بين المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، بجانب تضافر الجهود لفتح حوار مع الأفراد المعرضين للخطر.

يحتاج العلماء المسلمون المعتدلون إلى تقديم ذخيرتهم الدينية المعتدلة؛ لمواجهة الأفكار الخبيثة التي يروجها المجندون المتطرفون، بجانب اتخاذ الشرطة خطوات جدية. يجب أن تُقدم وسائل الإعلام مجهودًا لمواجهة داعش، عن طريق إظهار نماذج للمسلمين الذين تم تقبلهم في الغرب ويشعرون بالانتماء.

يمكن أن تقوم الحكومة القادمة بالكثير لتحويل تركيز استراتيجية المنع من المجتمع الشرطي، والذي يسبب انعدام الثقة، إلى مجتمع التواصل والتفاعل، بجانب اتخاذ نهج جديد في السياسة الخارجية، وبذل جهود لتقليل عدم المساواة الاجتماعية للأقليات.

أخيرًا، يجب على الأسر المسلمة أن تكون مرنة بشأن اتباع أطفالهم لثقافتهم وقيمهم وتقاليدهم، حيث إنه من غير المحتمل أن يؤدي هذا الضغط إلى نتائج إيجابية أثناء اندماجهم مع المجتمع الجديد. لا يوجد أسوأ من مهاجر مسلم جاء ليبني منزلًا في دولة غربية، مع آمال وأحلام لأسرته، وفي النهاية يرى تحوّل ابنه إلى انتحاري.

في النهاية، سيعود الجميع ليستمر في حياته بعد هذه الهجمات، لكن هناك العديد من الأبرياء الذين فقدوا أرواحهم، ويجب أن نتخذ خطوات جدية لعلاج العوامل التي تكمن وراء هذه الأزمة، إذا أردنا منع كارثة أخرى.

يسعى الإرهابيون للتقسيم، والطريقة الوحيدة لهزيمة هذا الشر هي العمل معًا.

 

المصدر:  الغارديان