هل لا تزال مصر تلعب دورا فعالا في الشرق الأوسط؟

خميس, 2017-06-01 14:41

بعد عودة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من القمة العربية بالسعودية، أكد العديد من المحللين السياسيين على موقف الرئيس الصعب في مفترق طريق مهم، فهو على موعد مع اختيار الانضمام إلى أحد الفريقين، من بين الولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا، خلال المرحلة المقبلة.

بعد تقارب الدولتين خلال العامين الماضيين، وصلت العلاقات المصرية الروسية إلى طريق مسدود. بينما يعتقد الخبراء السياسيون أن العلاقات المصرية الروسية تمر بمرحلة المواجهة، خاصة بعد عودة العلاقات الحميمة ما بين مصر والإدارة الأمريكية الجديدة، التي ظهرت من خلال احتمالية مشاركة القاهرة في “الناتو العربي الجديد” تحت إشراف واشنطن، إلى جانب إصلاح العلاقات بين مصر والسعودية من جديد.

 

العلاقات المصرية الخارجية في آخر عامين

بعد الانقلاب العسكري في مصر عام 2013 على أول إدارة مصرية مُنتخبة مُتمثلة في الرئيس السابق محمد مرسي، كان مسعى السيسي الأول اعتراف العالم بنظام حكمه، والحصول على دعم مالي قوي لتعزيز الاقتصاد المصري.

أما ما يخص الدعم المالي، قامت دول الخليج العربي بإمداد مصر بدعم مالي غير مسبوق. بينما عانت العلاقات المصرية الأمريكية أثناء وجود الإدارة السابقة المتمثلة في باراك أوباما، الذي استنكر انتهاك الحكومة المصرية لحقوق الإنسان في أعقاب الانقلاب.

أوقفت أمريكا الدعم العسكري لمصر عام 2013، قبل أن تُعيد الإعمال به بعد مرور عامين، لكن رغم ذلك، لم يدع أوباما الديكتاتور المصري العسكري إلى بلاده، بعد أن وصل إلى الحكم في عام 2014، وسط استمرار انتهاكه لحقوق الإنسان.

علاوة على ذلك، اتهمت وزارة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما، السيسي وحكومته لتقييده أبسط حقوق الحرية، وقمعها بالتعذيب، وإخفاء كل من ينتقد حكمه، والاعتقالات القصرية والقتل.

نتيجة لما سبق، بدأ السيسي بالتقرب من روسيا، ووقعت مصر على عقود مع العديد من الشركات الروسية؛ لبناء مفاعلات نووية وشراء طائرات محاربة متطورة؛ بعد أن تأذت مصر عندما تأخرت أمريكا في تسليم طائرات الهليكوبتر المقاتلة عام 2014، التي اشترتها مصر من أمريكا، بعد أن ادعت أنها تحتاجها لمكافحة العمليات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء. كانت هذه بمثابة أول مرة تستخدم أمريكا حق مبيعات العسكرية الخارجية النووي؛ لمنع وصول قطع غيار أو رفض تسليم معدات بعينها.

من هنا، تعلّمت مصر من الدرس جيدًا، فاتجهت إلى تنويع قاعدة مورديها، عن طريق توقيع الكثير من صفقات السلاح مع روسيا. لكن كلف تحسين العلاقات مع روسيا الحكومة المصرية ثمنًا باهظًا، حيث أجبر السيسي على الالتزام بالعديد من الاتجاهات الروسية في العديد من المناسبات السياسية، وهو ما ترتب عليه قيام اضطرابات بين مصر ودول الخليج العربي.

في أكتوبر الماضي، صوتت مصر لصالح مشروع مجلس الأمن الداعم لروسيا في سوريا، في معارضة واضحة للموقف السعودي. بالتالي أغضب الموقف المصري أكبر الداعمين لها في الخليج العربي، والتي بدورها استنكرت الدور المصري، واصفة إياه بالموقف المؤلم.

علّق السفير السعودي بالأمم المتحدة عبد الله المعلمي على الموقف المصري بعد التصويت، معبرًا عن استيائه، قائلًا: “كان من المؤلم أن نرى تعاطف السنغال وماليزيا مع الموقف العربي أكثر من الوفد المصري”. أضاف أنه يشعر بالأسف تجاه الدول التي صوتت بالموافقة على القرار الروسي، مؤكدًا على استمرار مساندة دولته لدعم الشعب السوري بكل الطرق المتاحة.

أعلنت شركة “أرامكو” المملوكة للحكومة السعودية وقتها، وبعد مرور يومين على انتهاء التصويت، عن وقف إمداد مصر بالمنتجات البترولية.

 

لكن حدث تغيير جديد بعد الانتخابات الأمريكية في العلاقات الدولية

من هنا، عبّر الرئيس الأمريكي الجديد عن إعجابه بالسيسي، واصفًا إياه – أثناء حملته الانتخابية – “بالرجل الساحر”. لكن الصورة وضحت أكثر وأكثر عندما توجه عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن في أبريل الماضي.

أثناء زيارة السيسي، أخبره ترامب بمساندة بلاده له، قائلًا: “لديك صديق عظيم وحليف في الولايات المتحدة، مثلي أنا”. أضاف ترامب، عندما جلس على المكتب البيضاوي مع السيسي: “أرى أننا نتفق في العديد من الأمور. لذلك أريد الجميع أن يعرفوا أننا نساند مصر، إذا ما كان هناك أي شك في مساندتنا للسيسي، فهو يقوم بمهمة جيدة للغاية في ظل ظروف سيئة جدًا. أمريكا تساند مصر وشعبها، ومساندة أمريكا عادة ما تكون قوية، صدقني!”.

كان مديح ترامب لمصر والسيسي، في أول زيارة رسمية للأخير للولايات المتحدة الأمريكية، دليلًا دامغًا على التحوّل القوي للعلاقات، عمّا كانت عليه أثناء إدارة باراك أوباما. بينما شهدت العلاقات السعودية المصرية ذوبان حدة العلاقات بينهما، بعد مرور شهور عديدة من التوتر ووقف إمداد مصر بالمنتجات البترولية في أكتوبر الماضي.

في الواقع، أعطى توقيت هذه المصالحة إلى جانب دعم ترامب للناتو العربي، انطباعًا قويًا حول إجبار إدارة ترامب لمصر للعمل على توفيق خلافاتها مع السعودية في الفترة القادمة. هذا يوضح سبب تأكيد السيسي لترامب، أثناء زيارته لواشنطن، على تسليم مصر لجزيرتين استراتيجيتين في البحر الأحمر للسعودية.

 

هل السيسي في ورطة؟

تداولت وسائل الإعلام المصرية، منذ عودة السيسي من القمة الإسلامية الأمريكية في الرياض، أخبارًا حول تورطه في مشكلة حقيقية، حيث أصبح في موقفٍ صعب بين روسيا وأمريكا، خلال الفترة المقبلة.

كتب عبد المحسن سلامة، الصحفي في جريدة “الأهرام” المصرية، في هذا السياق، مقالًا بعنوان “روسيا أم أمريكا”. من خلاله، عبر سلامة عن رأيه في توطيد العلاقات الأمريكية مع مصر، فهي خطوة تفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات المصرية مع روسيا.

أضاف سلامة: “هل يُعتبر من الأفضل بناء علاقات استراتيجية مع أمريكا بعيدًا عن الروس، أم من الأفضل أن تقوم بيننا وبين روسيا علاقات استراتيجية وطيدة بعيدًا عن السيطرة الأمريكية؟”. في نهاية مقاله، عبّر عن ضرورة قيام علاقات استراتيجية مع أمريكا، لكن ليس على حساب العلاقات الروسية.

بينما كتب عماد الدين حسين، صحفي مصري بجريدة الشروق، عن زيارة ترامب للمنطقة، معبرًا عن رأيه في كونها تتعارض المصالح المصرية. تساءل حسين إن كان على مصر مقاطعة هذه القمة. كان من الصعب أن تدخل مصر في مواجهة صريحة مع السعودية وأمريكا، خاصة بعد تحسّن الموقف المصري بعد فترة من التوترات.

 

هل ما يزال دور مصر مهمًا في المنطقة؟

تآكلت أهمية الموقف المصري في المنطقة منذ الانقلاب العسكري؛ بسبب تبني مصر لسياسات خارجية مبنية على مصالح مشتركة، مع فريق مختلف عن حلفائها السابقين في الأعوام الماضية. حاول السيسي التبديل بين حلفائه وفقًا لمصالحه، حيث لجأ إلى دول الخليج تارة، وأخرى إلى أعدائهم المتمثلين في روسيا، سوريا، وإيران، الذين تسببوا في نشوب التوترات مع الداعم المالي الأساسي لمصر، والمتمثل في السعودية.

هذا يتعارض مع دور مصر الأفريقي، حيث تحولت إلى مجرد عضو في الاتحاد الأفريقي، عوضًا عن كونها قوة مهمة ذات وجهة نظر مستقلة تتوافق مع أمنها القومي ومصالحها أو دورها في المنطقة بين عرب السُنة.

بالإضافة إلى كل ذلك، يسعى ترامب إلى تشكيل استراتيجية جديدة، تتبنى الحلفاء السُنيين التقليديين في المنطقة. وجد السيسي نفسه في منتصف الطريق، عالقًا مرة أخرى ليختار بين الانضمام إلى أحد الفريقين، اعتمادًا على أجندات الآخرين عوضًا عن الاهتمام بالرغبة المصرية. كأن السيسي يملك إرادة حرة مستقلة في الأصل! كان من الأفضل له أن يختار طريقًا مستقلًا ومُحددًا له ولدولته من البداية. لكن يبدو أنه قلّص الدور المصري بين الدول الأخرى، وفقًا لأجنداتهم؛ للتغلب على فشله في الجانب الاقتصادي المحلي.

بينما قابل ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، أوضح ترامب التغييرات الديناميكية الجديدة في المنطقة، مشيرًا إلى نظرة العرب لإيران كتهديد أساسي على المنطقة برمتها، عوضًا عن إسرائيل. لذلك، عرض ترامب قيام وحدة عربية جديدة ممثلة في “ناتو العرب” تحت إشراف أمريكي.

لا تعتبر هذه الوحدة العسكرية العربية فكرة جديدة، حيث قام السيسي بعرضها في فبراير عام 2015، أثناء مؤتمر قمة العرب بشرم الشيخ في مصر. رغم تبني السيسي مثل هذه المبادرة آنذاك – أثناء فترة شهر العسل بينه وبين السعودية – إلا أن هذه المبادرة لم تُفعل على الأرض.

 على العكس من ذلك، مثلت مصر دورًا رمزيًا في الحرب على اليمن، ولم تؤدِ أي دور مهم في الحرب السورية أو الليبية، بل وعارض السيسي التدخل في الشئون الليبية والسورية بقوة؛ رغبة منه في مساندة الأنظمة الحاكمة، بعرضه مساندة نظام بشار الأسد المدعوم من إيران. أثار ذلك العديد من التساؤلات حول رغبة مصر الحقيقية من المشاركة في دور فعّال داخل أي تحالفات سنية عسكرية تسعى إلى معاداة إيران واحتوائها، فتخاطر بعلاقاتها مع روسيا.

 

من المتوقع دائمًا من مصر، صاحبة أكبر جيش عربي سنّي، المشاركة في أي تحالف مقترح في المنطقة.

بالتالي، أصبحت الزعامة المصرية في موقف صعب للغاية، في محاولة استرضاء التحالفات، وخاصة أمريكا والسعودية، في مواجهة مع تقاربها من الجانب الروسي، خاصة وأنهما يتشاركان في وجهات النظر المتعلقة بليبيا وسوريا.

في النهاية، لا شك في موقف السيسي الصعب بضرورة الاختيار ما بين الفريقين الأمريكي والروسي. لكن حتى وإن انحاز إلى فريق على الآخر، فهذا قرار يُثبت انعدام الاستقلالية المصرية، وإجبار مصر على حصر سياساتها في علاقاتها الخارجية، وتبني أجندات الآخرين.

 

المصدر: ميدل إيست آي