
مرة أخرى يخرج سياسي فلسطيني مخضرم بحجم جبريل الرجوب ليفجر تصريحا لا وزن له ولا حجم الا ما يترك للشارع الفلسطيني مكانا للتساؤل والتشكيك في النوايا. فما الذي يريده جبريل الرجوب من خلال تصريح بشأن احقية اليهود في حائط البراق في لقاء مع التلفزيون الإسرائيلي ؟ هل ينهج بهذا طريق محمود عباس الذي في مقابلة سابقة له مع التلفزيون الإسرائيلي تنازل عن حق العودة الى مسقط رأسه صفد . وان كان محمود عباس قد اسقط حقه الشخصي وهذا شأنه , الا انه على ما يبدو نسي شخصيته الاعتبارية وقدم بذلك تنازلا عن حق شعب كامل . واذا ما افترضنا ان محمود عباس وتصريحاته قد تم افراغها من كل ما يمكن ان تقدمه امام الشارع الإسرائيلي وحكومته وكذلك امام الرئيس الأمريكي المبجل ترامب الذي وبخه في لقائه ببيت لحم لانه على حد تعبير ترامب قد خدعه لان الإسرائيليين (المنزلين والصادقين) اثبتوا له انه لا يدعم السلام الحقيق او بالأحرى يدعم الإرهابيين ( والمقصود هنا عائلات الشهداء والأسرى).
ولا افهم لم ينهج جبريل الرجوب نفس طريق الرئيس في هذا و هو الأكثر دراية ان الشارع الإسرائيلي وحكومته لن ترضى عنه ولن تمحي ماضيه الذي يراه الإسرائيليين إرهابيا . فصك البطولة لجبريل الرجوب في المعتقلات الإسرائيلية والذي اجلسه على قمة الهرم القيادي الفلسطيني لا ينفع ان يتغير امام الإسرائيلي الذي لا يراه كما يراه الفلسطيني.
بكل الأحوال الديباجة هذه في الكلام لا تقدم ولا تؤخر , ولا يبدو ان احد من القواد الفلسطينيين يأبهون . فكما جرى من قبل من اخرين في تصريحات يظنون ان الانسان الفلسطيني لا يزال يجلس ويتلقى الاخبار من تلفزيون فلسطين او من خطبة يقوم بها ذلك القيادي او غيره. لا يستوعب أولئك حتى هذه اللحظة ان الاعلام تغيرت وجهاته ولا يمكن التحكم به . الاعلام ليس شبكة انباء حكومية ولا شبكة تدعم ما تريده للرأي العام الحكومة .
ويبقى السؤال الذي يعيد نفسه هو لم اختار جبريل الرجوب التطوع بهذه المعلومة التي تفتقر لاي علم من قبله بشأن تاريخ القدس او الوضع القانوني والقرارات الواضحة بشأن هذا المكان . هل الموضوع موضوع وضع يد بالنسبة للسيد جبريل الرجوب؟
وعلى فرض انه لا يعرف القانون في هذا الشأن لانه ليس صاحب اختصاص , على فرض انه مختص بالرياضة وشؤونها , الم يقرأ بالايام السابقة للقائه ما قام به ترامب الموالي والداعم لإسرائيل قلبا وقالبا ووجدانا وعلانية ؟
الم يفكر السيد الرجوب انه عندما يقوم اهم رجل (يتلهث وراءه القواد العرب ) بالعالم والأكثر موالاة ودعما لإسرائيل بزيارة المكان بلا حراسة إسرائيلية ويصرح على الملأ ان المكان تابع للضفة الغربية , بأنه لا يمكن المساس بالقانون والاتفاقات التي لا يمكن تملكها بمجرد وضع اليد ؟
الم يسمع السيد الرجوب عن قرار اليونسكو الخاص بهذا الشأن منذ سنوات معدودة وقريبة جدا؟
الا يعرف السيد الرجوب ان هذه ممتلكات الوقف الإسلامي الذي يقوم على الاشراف عليه الملك الأردني ؟
ان يستخدم اليهود المكان للعبادة لا تجعله ملكهم . اذا ما مشيت بالشارع وسألت ابن القدس الذي لا يتجاوز العشر سنوات عن الوضعية القانونية لحائط البراق سيقول لك . ان راجعت التاريخ الى الوراء وتذكرت ما جرى بحي المغاربة صبيحة احتلال القدس ومن اجل توسيع المكان لتهويده , لما اعترف السيد الرجوب بأي حق لمكان يضرب فيه أصحاب العقيدة رؤوسهم بحائط امتلأت الساحات المتاخمة له بدماء الأبرياء ومسحت بيوتهم عن بكرة ابيهم بليلة بلا ضحى. هل يتزامن تصريح الرجوب مع ذكرى الخمسين عاما من احتلال القدس ؟
هل كان فعلا واعيا لم صرح به والان ؟
لربما يحتاج السيد جبريل الرجوب قراءة تاريخ البلاد هذه والديانات وسياساتها كذلك .
لا يشك احد ولا يبدد احد بأهمية الحائط لليهود . ولكن هل أهميته تجعلهم أصحابه ؟ الجواب لا .
أهمية هذا الحائط بدأ عند اليهود على حسب تقاريرهم في بداية القرن السادس عشر. فاذا ما زعمنا الأهمية , فالمسلمين قرروا قبل هذا بثماني قرون ان هذا الحائط هو المكان الذي ربط الرسول محمد صلى الله عليه وسلم دابته (ألبراق) .
ولا اريد الدخول هنا في المعتقدات وصوابها او عكسه , ولكن من المعروف ان حق اليهود في العبادة بدأ بعد ان اعطاهم الخليفة العثماني الحق بذلك . ولا مشكك الا الصهاينة ان هذا الحائط المزعوم هو الحائط الذي بناه سليمان القانوني ولا علاقة له بهيكل سليمان ما قبل الميلاد. ان اليهود كانوا يصلون في تخوم تلك المنطقة بما فيها ساحات الأقصى هذا امر اخر . ثم تم منعهم من الصلاة هناك مرتين في ازمنة لاحقة. .
ولم تكف محاولات الإسرائيليين او الصهاينة منذ هرتسل بتزييف التاريخ او شرائه ز بسنة 1887 حاول روتشيلد شراء الحائط ليجعله يهوديا الا ان حاخامات المدينة رفضوا ذلك. في سنة 1914 قام ديفيد يالين بمبادرة أخرى في محاولة شراء الحائط من قبل السفير الأمريكي باسطنبول عارضا مبلغ مليون فرانك . وفشلت المحاولة كما فشلت غيرها .
وفي سنة 1922 لم تستطع عصبة الأمم التي وضعت صك الانتداب من حسم موضوع أماكن العبادة , وعندما صدر الكتاب الأبيض سنة 1928 الذي قابله الصهاينة باغتيال المندوب السامي الذي ايد المحافظة على االوضع الراهن على ان يقدم كل طرف ما يثبت ملكيته . وعندها قدم المجلس الإسلامي الأعلى ما لديه من مستندات ولم تقدم الجهة اليهودية المسؤولة ما يثبت أي ملكية و الا فتوى فقهية و والتي أدت الى ان يعقد المؤتمر الصهيوني دورته في زيوريخ ليصدر قرارا بامر فتح فلسطين لليهود . وبعدها تم سحب الكتاب الأبيض وتفجرت ثورة البراق.
لو قرر السيد جبريل الرجوب القيام بزيارة لتخوم الأقصى وانفاق البلدة القديمة التي تشق بها إسرائيل منذ عشرات السنين لارتاب من حقيقة التزييف الواقع تحت الأرض , افلا يتفكر ما الذي تريده إسرائيل من احتلال يطال تحت الأرض وفوقها وكل ما يمس للإنسان الفلسطيني من وجود ؟
وانا هنا لا اريد ان أتكلم عن الدين اكثر ,فالموضوع سياسي بالدرجة الأولى والأخيرة , ان فلسطين محتلة وثق القوانين والأعراف الدولية , واذا ما مشيت مع بنود مباديء الرجوب وزمرة أوسلو التي تنادي ب 67 كحدود . فان هذا المكان محتل وفق القوانين الدولية . من اجل هذا لا تقترب أمريكا الحليف الأكبر والداعم الاعمى لاسرائيل من هذا المكان وغيره بنفس السياق وابعد..فوضع القدس تحديدا لا يزال ينطبق عليه قرار التقسيم الصادر سنة 1947 .
فكيف يتجرأ الفلسطيني بالمتاجرة بما لا يتجرأ من نسميهم أعداء بذلك ؟
اذا لم يستطع يوسف زيدان وهو العالم المتبحر في التاريخ وخفاياه اقناع العالم بعدم تخصيص المكان للمسلمين ونزع القدسية عنه , وتم تكفيره والاعتراض على كل ما قاله جملا وتفصيلا . وللحق في رأيه الكثير من الصواب كما فيه الكثير من عدم المعرفة لتاريخ الشعب هذا ومجريات الأمور على الأرض . فكيف يأتي من يعاني الامرين على الأرض ويشهد بام عينيه محاولات تهويد المكان وإعطاء معلومات لا يفقه منها شيئا الى عدوه؟
نقلا عن رأي اليوم