شهد النصف الاخير من السنة المنصرمة انخفاض سعر برميل النفط من اكثر من مئة دولار لبرميل البرنت الى حوالى 57 دولاراً. هذا الحدث الاساسي على الساحة الاقتصادية العالمية تصوره بعض وسائل الاعلام والاوساط الغربية بأنه نتيجة سياسة السعودية التي هي اكبر منتج للنفط في منظمة «اوبك» مع انتاج 9.6 مليون برميل في اليوم وقدرة انتاجية فائضة غير مستخدمة تتراوح بين مليون ونصف مليون الى مليوني برميل في اليوم. وبعكس ما تم تصويره في عدد من وسائل الإعلام، فإن انخفاض سعر النفط كان سببه وجود طفرة من النفط في الاسواق آتية من النفط الصخري الاميركي. لكن انخفاض اسعار النفط يسبق باستمرار مرحلة تعود اسعار النفط فيها الى الارتفاع. وقد رأينا ذلك في السنوات التي شهدت هبوطاً في الاسعار عامي 1985 و1986 عندما انخفض سعر برميل النفط الى 8 دولارات ثم عاد وارتفع في 2008 و2009 حتى وصل لمدة خمس سنوات الى حوالى 100 الى 110 دولارات. اما الآن فقد يبقى سعر النفط منخفضاً طيلة السنة المقبلة ثم يعود ويرتفع اذا شهدت عجلة النمو الاقتصادي انتعاشاً مع زيادة استهلاك الطاقة، كما ان خروج بعض المنتجين من الساحة قد يدفع الاسعار الى الارتفاع. ومن الملاحظ ايضاً ان ارتفاع قيمة الدولار يرافقه انخفاض في اسعار النفط.
ان السعودية، ووفق ما قاله وزير النفط السعودي علي النعيمي لـ «الحياة»، حريصة على حماية حصتها من السوق النفطية. فقد استثمرت المملكة في قطاعها النفطي مبالغ طائلة لتطوير طاقة انتاجية بحوالى 11 مليون برميل في اليوم ولن تترك غيرها من المنتجين الجدد يأخذ حصتها في السوق العالمية. فموقف السعودية التي تصر على حماية حصتها الانتاجية يندرج من قناعة بأن انخفاض اسعار النفط لن يسمح بتطوير المزيد من النفوط المرتفعة الكلفة في اميركا ورمال كندا وفي اعماق البحر. وأن سعر مئة دولار للبرميل الذي ساد لسنوات هو الذي سبب هذه الطفرة التي خفضت الاسعار. والآن بدأت الشركات النفطية تراجع حساباتها في الاستثمارات الجديدة وتؤجل الاستثمارات في الاماكن الصعبة حيث كلفة الانتاج مرتفعة، مما يعني ان استراتيجية السعودية كأكبر منتج نفطي في اوبك منطقية كونها تملك احتياطاً نفطياً لمئات السنين، كما ان اسعار النفط المرتفعة ستؤدي الى تنافس اكبر على بدائل للنفط وأيضاً الى طفرة انتاج في اماكن مكلفة.
ان اسعار النفط في العام المقبل قد تبقى منخفضة لأن المخزون العالمي مرتفع رغم الاحداث في ليبيا ورغم الحظر النفطي على ايران والحظر الاقتصادي على روسيا. فالاسواق الآن مليئة بالنفط وأسعاره انخفضت مما سيزيد من استهلاكه في العالم. وليس معروفاً بعد ما اذا كان النصف الثاني من 2015 سيشهد ارتفاعاً في الاسعار. فقد اعلن وزير النفط السعودي انه طالما هناك زبائن لنفطه فسيحافظ على حصته، اي ان «اوبك» لن تخفض الانتاج في اجتماعها في حزيران (يونيو) لأن دول الخليج وحدها وفي طليعتها السعودية لديها الطاقة التي تسمح لها بتخفيض انتاجها. والمرجح ألا تعدل السعودية استراتيجيتها حتى لو بقي سعر النفط متدنياً لأن لديها ما يمكنها من الصمود مالياً لسنوات. وهناك دول خارج «اوبك» مثل روسيا ستجبر على تخفيض انتاجها المكلف. فروسيا تنتج 10 ملايين برميل في اليوم وبعض الاماكن في غرب سيبيريا صعب وكلفة الانتاج فيها مرتفعة مما سيضطرها الى التخفيض تلقائياً. فالمرجح ان تكون سنة 2015 سنة اسعار نفط منخفضة ولكن على العالم ألا يتعود على مثل هذه المستويات لأن دورة ارتفاع الاسعار قد تعود.