أمريكا ونصف قرن من الفشل في الشرق الأوسط

اثنين, 2017-06-05 16:24

إنه من السخرية أن يتزامن تعهد دونالد ترامب بعقد اتفاق لنهاية الصراع المطلق بين إسرائيل والفلسطينيين مع الذكرى السنوية الخمسين لحرب عام 1967، وهي مناسبة تمثل أيضا نصف قرن من فشل الجهود الدبلوماسية الأمريكية للقيام بنفس الشيء.

وفي 5 يونيو من ذلك العام، واستجابة لتصاعد التوترات مع سوريا (وسط التضليل السوفياتي الذي كان يشير إلى أن إسرائيل تحشد لضربها) ونشر قوات مصرية على نطاق واسع في سيناء وإغلاق مضيق تيران، أطلقت إسرائيل ما قد أصبح معروفا باسم حرب الأيام الستة. وفي حملة استمرت 132 ساعة فقط، هزم الإسرائيليون القوات العسكرية العربية واستولوا على الضفة الغربية، وغزة، والقدس الشرقية؛ وهضبة الجولان وسيناء. والقضايا التي أثارتها تلك الحرب لم تحل أبدا.

وهذا لا يعني أن الدبلوماسية الأمريكية لم تكن ذات أهمية حاسمة في تحول الساحة العربية الإسرائيلية بعد عام 1967.

وتفاوض هنري كيسنجر على اتفاق فك الارتباط بين إسرائيل وسوريا في عام 1974، والذي جعل، حتى وقت قريب، هذه الحدود واحدة من أكثر الحدود هدوءا على خط المواجهة.

لقد كان جيمي كارتر هو من توسط في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1979، وبيل كلينتون هو من لعب دورا داعما هاما في مساعدة الإسرائيليين والأردنيين على أن يفعلوا الشيء نفسه في عام 1994.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالسلام الإسرائيلي الفلسطيني، فأمريكا لا تقترب حتى.

ويقول أرون ديفيد ميلر، بعد أن لعبت دورا صغيرا جدا في هذه المؤسسة الكبيرة نوعا ما لسنوات عديدة جيدة، وضعت بعض وجهات النظر القوية جدا حول لماذا أمريكا، وهي أهم ممثل خارجي في هذه الدراما، لم تكن قادرة على تحويل الصراع .

ويضيف، إليكم أعلى خمسة عندي. ربما قد يرغب الرئيس ترامب وفريقه في تدوين الملاحظات، لأن هذه التحديات المزعجة نفسها من المؤكد على ما أعتقد أنها ستعترض طريقهم أيضا.

هذه ليست مجرد صفقة عقارية

إن السلام الإسرائيلي الفلسطيني يجعل عملية صنع السلام بين إسرائيل والمصريين والأردنيين تبدو وكأنها نزهة في حديقة. وكانت تلك الاتفاقات بين الدول القائمة وحكومات قوية تتعلق إلى حد كبير بالأمن وإعادة ضبط الحدود، ولم تكن بين دولة مستقرة وحركة وطنية مقسمة مختلة تسعى إلى أن تصبح وحيدة في منطقة مضطربة غير مستقرة.

ومن ثم فهناك تعقيد يتعلق بكونهم قريبين جدا من بعضهم البعض. وخلافا للأردن ومصر وإسرائيل، يواجه الفلسطينيون والإسرائيليون مشكلة تقارب حقيقية. ويقول أرون، أتذكر، إنه كجزء من المفاوضات المؤقتة لعام 1997، وقفت على يدي وركبتي لقياس عرض شارع في الخليل يسعى إليه المستوطنون الإسرائيليون الغاضبون والفلسطينيون، وأ فكر في نفسي أن هذا لا يمكن أن يجدي نفعا.

وخلافا لمعاهدتي السلام الأخريين، فإن الوصول إلى اتفاق نهائي لا يعني فقط التعامل مع الأراضي ولكن مع قضايا أخرى تتعلق بثلاث هويات، وهي القدس، واللاجئين الفلسطينيين، والاعتراف بإسرائيل كدولة قومية لليهود.

إن هذه ليست فقط مسائل تتعلق بعام 1967، إنها تعود إلى عام 1948 ومتواجدة بشكل أساسي في الروايات الدينية والسياسية للشعبين وفي الأديان. لقد تم إلقاء ما يقرب من 500,000 من الإسرائيليين في المستوطنات، حيث يعيشون على أرض يتنازع عليها كلا الجانبين ومن هنا سترون لماذا يحتاج ترامب إلى دراسة الأمور أكثر من ذلك. إن هذه المشكلة أصعب، وليست أسهل، مما يعتقد معظم الناس.

القضية تحتاج لقادة

حدثت اختراقات خطيرة في المفاوضات العربية الإسرائيلية بعد عام 1967 لأن هناك قادة كانوا أكثر سادة لسياساتهم وأيديولوجياتهم من أسراهم.

ومن المؤكد أن العاهل الأردني الملك حسين وأنور السادات في مصر ومناحيم بيجين وإسحاق رابين الاسرائيليين، لم يكونوا وكلاء مستقلين. وحينها كان كل من السادات ورابين سيدفعون حياتهم ثمن من أجل صنع السلام. لكنهم كانوا عازمون على استغلال الفرص أو الاستجابة لها، وبذلك، ارتفعوا فوق الحدود الضيقة والصعوبات المتمثلة في الصراع. ولم يكن هناك أدعياء للسلام، فكانوا جميعا من رجال صارمين وتحولوا إلى صقور. ولا يوجد هؤلاء القادة اليوم في أي مكان في المنطقة، وبالتأكيد ليس في إسرائيل وفلسطين.

إن كلا من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يفتقران إلى الرؤية ويخافان من المخاطرة، ويرتبطان بسياساتهما، وكما يهتمان بالمحافظة على مقاعدهما أكثر من قيامهم بالمغامرة من خلال محاولة تغيير الوضع الراهن بشكل جذري. إن ترامب يحتاج إلى إدراك أن الوسيط العنيد والماهر أمر بالغ الأهمية، ولكن الأهم من ذلك هو أن يكون الشركاء على استعداد لاتخاذ القرارات التي تسمح لطرف ثالث بسد الثغرات. وفيما يتعلق بالقضايا الجوهرية، فعباس ونتنياهو لا يوجد بينهم تقارب.

تحتاج القضية إلى ملكية حقيقية أيضا

جدير بالذكر أن كل انفراجة بعد عام 1967، حتى تلك المفاوضات التي لم تؤت ثمارها أبدا، مثل محادثات أوسلو والمحادثات السورية الإسرائيلية، كانت تتطلب إلحاحا ووجود ألم وربح من شأنه أن يمنح القادة رهانا في محاولة المضي قدما.

وللأسف، كانت الحرب والتمرد هم من أدوا إلى كلا معاهدتي السلام الإسرائيلية المصرية والإسرائيلية الأردنية. وفي بداية هجومه في أكتوبر من عام 1973، عرف السادات أنه إذا استعاد سيناء، كان عليه أن يأتي إلى الطاولة كمنتصر، وليس مهزوما. وكانت هذه هي الانتفاضة الأولى التي ولدت عملية أوسلو وسمحت للملك حسين بصنع اتفاق خاص به مع اسرائيل لأن ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية حينها كان يتفاوض مباشرة مع الاسرائيليين من أجل الاتفاق الخاص به.

ومن الحقائق المذهلة أيضا أنه في كل هذه المفاوضات، حدثت اختراقات أولية بشكل سري، ودون علم واشنطن. ويقول أرون، كنت في إجازة في أغسطس من عام 1993، وأتذكر بوضوح النداء الذي وجهه مركز العمليات التابع لوزارة الخارجية، حيث قاموا باستعدائي إلى واشنطن لأن إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية توصلا إلى اتفاق. وكنا على علم بمسار أوسلو، ولكن لم نكن نعلم أن الجانبين مستعدان لاتخاذ قرارات صارمة.

هل يمكن للولايات المتحدة أن تعمل كوسيط نزيه؟

يقول أرون، في عام 2005، كتبت مقالا في صحيفة واشنطن بوست بعنوان “محامي إسرائيل”، والذي ناقشت فيه مسألة أنه في قمة كامب ديفيد في يوليو 2000، كان الجانب الأمريكي، الذي ضمنه، قد اتخذ جانب إسرائيل في المفاوضات. وكنت قد اقترضت هذا المصطلح من مذكرات كيسنجر. وقد اختطف المقال من قبل جميع الأطراف، لا سيما أولئك الذين يسعون إلى إثبات أن الولايات المتحدة كانت في جيب إسرائيل.

ويضيف، أن النقطة الحقيقية التي كنت أعمل عليها هي أن الولايات المتحدة يمكن أن تؤدي دورا، وكثيرا ما قامت بدور كوسيط فعال في ظروف معينة ولكن نادرا ما يكون هذا الدور صادقا تمام وغير متحيز.

كان يمكن لكيسنجر التفاوض حول ثلاثة اتفاقات لإنهاء الاشتباك بين إسرائيل ومصر وسوريا وذلك من خلال التراجع عن النص المؤيد لإسرائيل والمطالب الملحة للحرب، وكان يمكن لكارتر أن يتوسط في معاهدة سلام مصرية إسرائيلية من خلال تلبية احتياجات السادات بشكل واضح، ولكن لأن القادة المصريين كانوا فقط مستعدين لعقد اتفاق منفصل والتخلص من الفلسطينيين والسوريين، فبالتالي لعبوا دورا من أجل متطلبات إسرائيل أيضا.

ويبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع أن تفعل الشيء نفسه بين إسرائيل والفلسطينيين نظرا لطبيعة علاقتهم الخاصة مع إسرائيل والسياسة الداخلية الأمريكية وحساسية ودرجة صعوبة القضايا. إن الطبيعة الغريبة للحركة الوطنية الفلسطينية التي تبدو وكأنها سفينة نوح، والتي ينقسم فيها اثنين من كل شيء بين حماس وفتح ، كالأجهزة الأمنية، والدوائر الصغيرة، والرؤى التي تتعلق بماهية فلسطين وأين ينبغي أن تكون، تظهر أيضا صعوبات.

ما هو المطلوب كحد أدنى لمساعدة الوسيط، والذي قد يكون رئيس وزراء إسرائيلي مستعد وقادر على اتخاذ خطوات كبيرة ورئيس فلسطيني للرد بالمثل.

يرى البعض إن الرئيس ترامب له مزايا معينة لأنه جديد  على الرئاسة. إنه متقلب المزاج، ويستفيد من المواءمة الجديدة بين إسرائيل والعرب، خاصة السعوديين. وقد يكون هذا كافيا لبدء العملية. ولكن لا يزال هناك سؤالا مفتوحا، وهو نحو أي غاية سيعمل؟

إن الثغرات المتواجدة في القضايا الأساسية، مثل حدود عام 1967، والقدس، واللاجئين، والترتيبات الأمنية، تشبه الأخدود العظيم، حيث أن انعدام الثقة والشكوك عميقان، كما أن عدم رغبة أمريكا في استخدام كلا من العسل والخل لتحريك الأطراف، وخاصة الإسرائيليين، لا تزال قوية جدا.

ويختم أرون قائلا، لا تستصعبوا شيئا أبداً. ولكنكم قد تكونون في حاجة الى معجزة في المنطقة والتي لم نرى الكثير منها لبعض الوقت. وبعد خمسين عاما من عام 1967، فإن الطريق إلى الأمام غامض في أفضل الأحوال، وربما ينتظر القادة أن يرتقوا إلى مستوى التحدي المتمثل في حل مشكلة الأرض الموعودة.

 

المصدر: سي إن إن