قضية يوسف بن عقون: إقالة وزير وتفكك دولة

ثلاثاء, 2017-06-06 10:54
توفيق رباحي

أسبوع ثقيل مرَّ على الجزائر: ـ وزير شاب أقيل بعد أقل من 48 ساعة من تعيينه، بحجة أنه صاحب سوابق قضائية ومحكوم بالسجن.
ـ مدير عام شركة «نفطال»، النسخة المحلية لسوناطراك، أصيب بسكتة قلبية بسبب شريط فيديو فاضح، انتشر كالنار في الهشيم، قيل أنه يصوره في حفلة لواط مع شاب في سن نجله.
ـ الحكومة تعلن براءتها (كالعادة) من تلاعبات جديدة/قديمة لازمت توزيع «قفة رمضان» على الفقراء والمحتاجين.
ولا غرابة أن يكون هناك المزيد. الأسبوع المقبل سيشهد إجراء امتحانات البكالوريا الحاسمة لملايين العائلات وأبنائها. لن يكون مستغربا ولا مستهجنا إذا تكرر تسريب أسئلة بعض المواد وانتشر الغش على نطاق واسع. معروفة المبررات سلفا، وستتبرأ وزارة التربية والتعليم من القصة كلها مثلما فعلت في السنوات الماضية، وكما تبرأت وزارة التضامن حيال فضيحة «قفة رمضان». 
هذا ليس تنجيما، بل عودة إلى تجارب سابقة في بلد مخدّر، لا يستجيب للألم ولا يضيره الاعوجاج.
حالة الوزير مسعود بن عقون، الذي عمّر في الوزارة أقل من 48 ساعة، لا تدين صاحبها، بل المنظومة التي عينته ثم أقالته. قرار تعيينه مسخرة، لأنه لم يعمل يوما في حياته، ووفق ما شاع عنه. وطريقة إقالته مسخرة ثانية. من أبجديات عمل الدول والمؤسسات إجراء تحقيقات أمنية عن المرشحين لمناصب عليا، وكان هذا حال الجزائر. فمن المسؤول عن التقصير في حالة بن عقون؟ 
هناك ثلاثة احتمالات: إما أن الجهة المخولة إجراء الفحص الأمني لم تقم بواجبها، وهي التي يجب أن تُحاسَب. 
أو أن هذه الجهة قامت بالمطلوب منها لكن الجهة المخولة متابعة الأمر لم تفعل وسمحت بتعيين الرجل، إهمالا، أو لغرض ما، مثل تدميره أو إحراج الجهة التي رشحته أو الجهة التي عينته أو المنطقة التي ينتمي إليها (باعتبار أن الجهوية والمناطقية محور رئيسي في العمل السياسي في الجزائر، ولكل منطقة زمنها)، أو ضرب ما تبقى مصداقية الدولة. 
الاحتمال الثالث أن الرجل بريء وراح ضحية قضية ملفقة وأكبر منه. وقد نشر على مواقع التواصل الاجتماعي صحيفة سوابقه القضائية خالية من أي حكم قضائي.
أيًّا كان الاحتمال الأصح، ما حدث هو إشارة أخرى على تفكك أجهزة الدولة وتراجع أدائها. لكن أخطر من التراجع، الإهمال وتساوي المفاهيم، فتصبح قضية كهذه أمراً عاديا يُنسى بسرعة.
هي متاهة لن نعرف أبداً نهايتها، مثلما لم نعرف نهايات ألغاز أخرى مشابهة وأخطر. المجتمع الجزائري مُكرَّم بنعمة النسيان، تقع الواقعة وما أن تنتهي حتى يبدأ انتظار المقبلة. لا تحقيق، لا محاسبة ولا تحديد مسؤوليات. وكلما كبرت الفضيحة تراجعت احتمالات المحاسبة. نعرف نهاية قضية سرقة «قفة رمضان» من مخزن في بلدية نائية، ويبقى اغتيال رئيس (محمد بوضياف) في بث تلفزيوني مباشر، وسرقة المليارات في مشاريع مزيفة أو فاشلة، ألغازاً تُحيّرنا إلى يوم الدين.
هناك علامات لا يجوز إهمالها للاقتراب من الصورة: بعض وسائل الإعلام المحلية، تتقدمها قناة تلفزيونية خاصة ذهبت بعيداً في الوقوف مع زمرة الرئاسة واستغباء الجزائريين، اصطفت ضد بن عقون وشهّرت به. في عُرف الإعلام الجزائري المنهار، مَن وقفت معه هذه القناة فهو آمن، ولو إلى حين، ومَن طاردته فثق أنه انتهى. هي سكين يُذبح به المغضوب عليهم أو طبلة تقرع في أفراح ذوي الحظ السعيد. والاصطفاف ضد بن عقون يعني أن مجموعة متنفذة في الحكم تعمدت تدميره لأسباب تخصها (لغز آخر يضاف إلى القائمة). قبل بن عقون استُعملت القناة/السكين في ذبح رئيس اتحاد الكرة محمد روراوة بذريعة النتائج السيئة للفريق الجزائري في منافسات أفريقية.
غريب ـ وغير بريء نهائيا ـ أن تفيق البلاد من خدرها وتستنهض أجهزة الدولة وأذرعها الدعائية همّتها مع بن عقون فقط. أين كانت قبل ثلاثة أشهر عندما عُيّن عبد المؤمن ولد قدور رئيسا لسوناطراك، وهو الذي دخل السجن بتهم التخابر مع جهات أجنبية وإقامة علاقات مشبوهة مضرّة بمصالح البلد الاقتصادية؟ أين كانت وعبد المجيد تبون يتقلب بين المناصب الحكومية منذ أكثر من 15 سنة، وهو ضالع بشكل ما في فضيحة «الخليفة» عام 2003؟ وأين كانت عندما كشفت «وثائق بنما» تهريب وزير الصناعة عبد السلام بوشوارب رؤوس أموال إلى الخارج؟ أين كانت عندما ارتفعت كلفة الطريق السيّار من 6 مليارات دولار إلى 18 مليارا، وعمّار غول، المسؤول عن ذلك ـ ولو أخلاقيا ـ يكافأ بمنحه الوزارة بعد الأخرى؟ أين كانت والفضائح تلاحق الوزير السابق شكيب خليل وذويه محليا ودوليا؟ وأين هي وخليل يستعد للعودة من الباب الواسع؟
ليس من الخطأ معاقبة بن عقون إذا كان مذنبا. لكن ماذا عن المذنبين الآخرين، وماذا عن الجهات التي سمحت بوصول موضوعه إلى درجة النكتة والتندر.
سؤال أخير و(غير بريء): هل كان بن عقون سيلقى ذلك المصير المشؤوم لو كان ينحدر من منطقة تلمسان؟

نقلا عن القدس العربي