كيف ستتغير جيوسياسية الشرق الأوسط؟

أحد, 2017-06-11 15:59

غالبًا ما تتغير الجيوسياسية لدول أو مناطق العالم بناءً على تطورات قوى خارجية، خلال فترات طويلة من الزمن، لكن هناك أوقات عندما يجتمع عدد من الأحداث غير المرتبطة التي تحدث على المدى القصير. حينها نجد أننا أمام إعادة تشكيل سريع للجيوسياسية، قبل أن تهدأ الأحداث لنجد أنفسنا في وضع جديد، يبدو أن الشرق الأوسط يمر بمرحلة شبيهة خلال الفترة الحالية.

شهد الأسبوع الماضي بعض الأحداث الهامة. بدأ الأمر بقرار السعودية وعدد من دول المنطقة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، بزعم دعمها لجماعات إرهابية، ورغبتها في التعاون مع إيران. في اليوم التالي، بدأت القوات السورية الديموقراطية، التي يسيطر عليها الأكراد، بهجمتهم لاستعادة الرقة من تنظيم الدولة.

بعد 48 ساعة من بداية أزمة قطر، بدأ تنظيم الدولة في سلسلة من الهجمات ضد إيران، سواءً أمام البرلمان الإيراني أو بتفجير ضريح آية الله روح الله الخميني. بعدها بساعات، أعلنت حكومة إقليم كردستان في شمال العراق تنظيمها استفتاء للاستقلال في 25 سبتمبر المقبل.

ربما وقعت هذه الأحداث بشكل منفصل ومستقل، لكن بجمعها نرى أن هناك تحولًا كبيرًا تشهده المنطقة. رغبة قطر في مقاومة السعودية تعني إما تزايد قوة إيران أو ضعف السعودية أو كليهما. في الوقت ذاته، ترى تركيا في أزمة الخليج الأخيرة فرصة للتدخل ودعم قطر ولعب دور قيادي في المنطقة.

في الوقت نفسه، بدأ تنظيم الدولة العودة لجذوره كمنظمة تمرد فعالة، بعد خسارة الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، فيما يبدو أن أكراد العراق أقرب من أي وقت مضى لتمزيق الدولة، لذا نرى، من هذه التطورات، أن قوى الشرق الأوسط تعيد تنظيم نفسها.

 

تقلب الخليج العربي:

تعودت دول الخليج العربي على الاستقرار النسبي بفضل البترول وقلة الكثافة السكانية، لكن لم يستمر الوضع بعد الدراما التي شهدها الخليج العربي الأسبوع الماضي، وهو ما يشير إلى وجود مشاكل أعمق.

تختلف رؤية دول الخليج بشأن التعامل مع الجماعات المتطرفة وإيران وقوات الشيعة بالوكالة. كانت سلطنة عمان خارج الكتلة السنية بجانب قربها من إيران. أما الكويت، فبرغم قربها من السعودية، إلا أنها تمكنت من الوقوف على الحياد في مختلف القضايا، وتحاول أن تتوسط لحل أزمة الخليج الأخيرة. بينما تعتمد البحرين بشكل كامل على السعودية، وتعتبر البحرين دولة ذات أغلبية شيعية وقيادة سنية، وهو ما يترك الإمارات التي تعتبر في قوة مماثلة للسعودية.

يتعرض استقرار شبه الجزيرة العربية النسبي للخطر، حيث حاولت السعودية منع أي انقسامات أخرى، عن طريق إطلاق حملة دبلوماسية ضد قطر. رغم خطورة هذه المناورة، إلا أنها قد تكون مفيدة في حالة رضوخ قطر، وهو ما سيؤكد مدى قوة الكتلة السنة برئاسة السعودية. يمكن أيضًا أن يكون لها نتائج سلبية إذا ظلت قطر على موقفها ضد دول الخليج العربي.

 

خسارة تنظيم الدولة للأراضي:

تمكن تنظيم الدولة من جذب الانتباه ليكون محور الأحداث في الشرق الأوسط لسنوات، لكن خلال العام الماضي، بدأ في خسارة أراضيه الهامة في العراق وسوريا، ويبدو أن التنظيم على وشك خسارة عاصمة الخلافة في الرقة.

ستكون خسارة الرقة حدثًا هامًا، بالطبع كان التنظيم على دراية بعدم قدرته على الاحتفاظ بخلافته على المدى القصير. من الواضح أن الجماعة الإرهابية ستعود لجذورها كتنظيم إرهابي يقوم بهجمات بعيدة المدى من خلال صحراء العراق وسوريا.

الظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى ظهور تنظيم الدولة في البداية، ستستمر حتى في حالة سقوط الرقة، إذا لم يستغل التنظيم الإرهابي هذه الظروف، ستظهر جماعة أخرى ربما تكون أسوأ من تنظيم الدولة.

بينما تضعف قوة تنظيم الدولة في أرض المعركة، ستضعف أيضًا القضية التي اجتمع عليها عدد من دول المنطقة ويبدؤون في قتال بعضهم البعض. من المتوقع استغلال تنظيم الدولة لهذه الانقسامات، وخاصة الصراع بين السنة والشيعة؛ لهدم القيادة العربية السنية.

 

ظهور تهديدات في إيران:

في 7 يونيو الجاري، قُتل 12 شخصًا وأصيب الكثير في هجمات إرهابية شهدتها إيران وتبناها تنظيم الدولة. وفقًا لعدد من المحللين، فشن تنظيم الدولة لهجمات في إيران يعني وجودها على الأرض الإيرانية، وتحضيرها لهذه الهجمة منذ فترة قصيرة.

قام تنظيم الدولة بهذه الهجمات في توقيت مثير للدهشة، بعد ثلاثة أسابيع من زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرياض، وتصنيفه لإيران على أنها التهديد الرئيسي للمنطقة. في الوقت ذاته، استبعد الملك السعودي وجود أي حوار مع إيران، معتبرًا أن الحرب مع طهران يجب أن تكون داخل أراضيها. بدأت حملة شرسة ضد الشيعة في السعودية والبحرين.

من وجهة نظر إيران، فالسعودية هي المستفيد الفعلي من تنظيم الدولة الذي يحارب إيران وحلفائها الشيعة في المنطقة. بالطبع يريد تنظيم الدولة أن تصدق طهران ذلك؛ لأنه سيقود إلى مواجهة بين طهران والرياض. في تصريحات حديثة، اتهم الحرس الثوري الإيراني الجانب السعودي بضلوعه في هجمات 7 يونيو، وهو ما يُسعد تنظيم الدولة.

بالتأكيد ستحاول المخابرات الإيرانية تحييد عناصر داعش داخل الدولة، رغم أن قوات القدس – فرع من الحرس الثوري – يمكن أن تحاول الانتقام من السعوديين بسبب هذه الهجمات. في كل الأحوال، ستساهم هذه الهجمات في زيادة التوتر بين طهران والرياض، وسيفعل تنظيم الدولة ما بوسعه لزيادة هذا التوتر.

 

دولة مستقلة للأكراد؟:

في الوقت ذاته، تحاول الجماعة الكردية استغلال الحدود غير الواضحة للمنطقة؛ لخلق حدود جديدة خاصة بها. يعتبر الدافع الرئيسي للأكراد السوريين في قتال تنظيم الدولة هو تأمين الأرض، والحصول على دعم أمريكي لدولة كردية سورية مستقلة. كما يسعى أكراد العراق للسيادة وهو ما يهدد بتمزيق التجربة العراقية للأبد.

بعد الحرب العراقية في 2003، اعترفت حكومة بغداد بحكومة إقليم كردستان الذاتية في ثلاثة مقاطعات في شمال العراق. مع الوقت بدأ أكراد العراق في توسيع نفوذهم جنوبًا ليشمل أجزاءً كبرى للمقاطعات الثلاثة الإضافية في الجنوب، وهو ما وضعهم في أزمة مع السنة العراقيين.

لكن الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة عارضت حكمًا ذاتيًا لحكومة إقليم كردستان. ساعد ظهور تنظيم الدولة في 2014، وسيطرته على الموصل، في تعزيز موقف الأكراد العراقيين؛ بسبب إضعافه لبغداد، وهو ما أجبرها على التعاون مع الأكراد لقتال تنظيم الدولة في المناطق السنية.

يبدو أن هذه الأحداث أعطت الجرأة لحكومة إقليم كردستان، التي أعلنت في 7 يونيو أنها ستقوم باستفتاء استقلال في 25 سبتمبر المقبل. بعيدًا عن التصويت، فطريق الأكراد للاستقلال مازال غير واضح، حيث يعتمد بشكل كبير على رد فعل تركيا وإيران.

 

تركيا على الهامش:

تابعت تركيا هذه التطورات بحذر. من المؤكد معارضتها لاستقلال الأكراد، بجانب أن أهدافها في سوريا تتعارض مع كل قوى المنطقة، رغم ذلك إلا أنها اكتفت بتمويل بعض الجماعات بالوكالة في سوريا وأنشأت ممرًا صغيرًا في شمال الدولة.

تفضل تركيا عدم التدخل في الصراع العربي، وتركهم في صراعاتهم الداخلية حتى يضعفوا ولا يستطيعوا رفض القوة التركية. يتعامل النظام التركي مع أزمات داخلية يمنعه من التركيز في الشأن الخارجي.

رغم ذلك، إلا أن الأزمة القطرية قدمت فرصة عظيمة لا يمكن تركها، حيث تعتبر تركيا حليفًا لقطر بجانب علاقتها القوية مع السعودية وغيرها من الدول العربية، لكنهم يرغبون أيضًا في مناهضة تركيا لإيران. في النهاية لن يرفض العرب نفوذ تركيا لموازنة نفوذ إيران.

تحاول أنقرة التوسط في الأزمة بين دول الخليج. يمكن لذلك أن يعزز من أهمية تركيا في الشأن العربي، ويوضح مدى توسع قوتها. في خطوة أولى، قرر البرلمان التركي تمرير قانون يتيح إرسال 3 آلاف من القوات التركية إلى قطر.

تحتاج تركيا إلى لعب دور قيادي هام في المنطقة؛ للتعامل مع التحديات المتعددة القادمة من سوريا. من الأساليب التي استخدمها أنقرة هي دعم الإسلاميين، وخاصة الإخوان المسلمين الموالين لتركيا، والداعمين لمصالحها.

تكمن الأزمة في عدم رغبة مصر والسعودية أن تصبح تركيا قائدًا في المنطقة. ربما يعتبرون إيران تهديدًا حاليًا، إلا أن الواقع يقول إن رغبة تركيا في الهيمنة تساوي رغبة وخطر إيران وربما أكثر خطورة على المدى الطويل.

هكذا شهدت منطقة الشرق الأوسط أسبوعًا هامًا، ظهر من خلال تطورات أحداثه، وإمكانية إعادة تشكيل الجيوسياسية للمنطقة. في النهاية، ستهدأ هذه الأحداث لتعود إلى طبيعة جديدة، لكن المؤكد الآن أن هذه الأحداث لم تكن سوى حلقة واحدة ضمن حلقات كبرى ستشهدها المنطقة خلال الفترة المقبلة.

 

المصدر: جيو بوليتكال فيوتشر