مراجعة نهاية العام دوليا…

خميس, 2015-01-01 23:30
د. عبد الحميد صيام

تعودت أن أكتب في نهاية كل عام مقالا أراجع فيه أهم أحداث السنة المنصرمة في ما يتعلق بالوطن العربي. في هذه المرة سأقسم المقال إلى جزئين، الأول يخصص لمراجعة أحداث العالم، والثاني يسلط الضوء على المنطقة العربية، مع أن التداخل بينهما كبير وقد يكون الفصل بينهما اعتباطيا، لأن هناك تداخلا حقيقيا بين الدولي والمحلي في العديد من القضايا، مثل قضية الحرب على «تنظيم الدولة الإسلامية» في العراق والشام (داعش). 
لكنني آثرت أن أضع في الجزء الأول صورة عن الوضع العالمي بما أصابه من كوارث وحروب وتحديات، على اعتبار أن الكون الآن قرية صغيرة وما يصيب بلدا يؤثر على كافة البلدان، ثم أخصص الجزء الثاني عن منطقتنا العربية التي شهدت سنة أخرى من الصراعات المحلية والتفكك والتدخل الخارجي وانتشار التيارات المتطرفة، بينما شكلت تونس الاستثناء الجميل لمنظومة الخراب تلك. 
كان عام 2014 على المستوى العالمي عام الكوارث بشقيها- تلك التي صنعها الإنسان وتلك التي أفرزتها الطبيعة الحانقة على ما تقترفه أيادي البشر من جرائم بحقها، حتى أن نظرية جديدة تلقى شعبية أكبر داخل المنظومة الدولية تقول، إن الكوراث بشقيها من صنع الإنسان ومن صنع الطبيعة، في حقيقة الأمر كلاهمــــا من صنع الإنسان، لأن الكوارث الطبيعية ما هي إلا صرخة الطبيعة المدوية ضد تخريب الإنسان للمنظومة الأيكولوجية الدقيقة للكون، التي تحمل في نسيجها شيئا من التوازن الإعجازي «صنع الله الذي أتقن كل شيء»، لو أنها تركـــت وشأنها بدون تنقيب وتجارب في أحشاء الأرض وتسخين لقشرتها وأكسدة للهواء وتوسيخ للمياه وخروق للأوزون وإلقاء أطنان المتفجرات.
عام الحروب والصراعات المسلحة جنوب السودان أوكرانيا – العراق 
بدأ العام بحرب أهلية في جنوب السودان قطّعت أوصال البلاد وأدت إلى تهجير الملايين وتفكيك شبه الدولة التي جاءت نتيجة ولادة قيصرية غير سليمة. لقد أدت الحرب التي انطلقت من خلافات على الزعامة بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار إلى مقتل ما لا يقل عن عشرة آلاف مدني من قبيلتي الدنكا والنوير، وتشريد أكثر من 1.9 مليون مواطن داخل جنوب السودان من بينهم 100000 ما زالوا مختبئين بمقرات الأمم المتحدة، ولجوء نحو 400000 إلى الدول المجاورة. 
كما أن نصف مليون من الأطفال توقفوا عن الذهاب للمدارس. الدولة التي ولدت مشوهة أصلا وطبل لها الغرب وزمر على أنها أكبر عقاب للرئيس السوداني عمر البشير انقلبت إلى عقاب للدول الغربية جميعها وتحولت إلى عبء ثقيل لا يريد أحد أن يتحمل تبعاته.
أما في أوكرانيا فقد اكتملت في شباط/فبراير مؤامرة عزل الرئيس المنتخب يانوكوفيتش، في مشهد قريب جدا من المشهد المصري، حيث هيجت الدول الغربية التي كانت مصرة على إبعاد أوكرانيا عن روسيا وضمها للاتحاد الأوروبي، ثم إلى حلف الناتو لتكون مقرا للصواريخ العابرة للقارات الموجهة نحو روسيا، وهو ما لا يمكن أن تسمح به روسيا. تم تحريض الجماهير التي اندس فيها أعداد من المخابرات الغربية والإسرائيلية لتعلن تمردا على الرئيس الذي حاول تهدئة الجماهير باتخاذ قرارات جرئية تعطي صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء والبرلمان وإعلان انتخابات جديدة في 25 أيار/مايو القادم، إلا أن المظاهرات استمرت وبزخم أكبر بعدما استخدمت قوات الأمن السلاح، وأردت العديد من المواطنين، فقام البرلمان بإعلان الرئيس غير صالح للحكم فاضطر يانوكوفيتش إلى الهرب والالتجاء إلى روسيا أولا، ثم إلى جزيرة القرم التي أعلنت عبر استفتاء انفصالها عن أوكرانيا وانضمامها إلى روسيا. وقد رحب الرئيس بوتين بهذا الضم واعتبر أن حماية الروس في المناطق الشرقية مسألة أمن قومي لن يتهاون فيها. انتخب رئيس جديد في كييف موال للغرب هو بوروشينكو واستمر الصراع بين الجيش الأوكراني والانفصاليين المدعومين من روسيا. ومع أن اتفاقا تم توقيعه بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا بحضور بوروشنكو، إلا أن وقف إطلاق النار لم يصمد والعقوبات القاسية التي فرضها الغرب على روسيا ألحقت أكبر الأذى بالاقتصاد الروسي، وأدت إلى انخفاض قيمة الروبل بسبب انخفاض أسعار النفط نتيجة زيادة الإنتاج المتعمد الذي تعاونت فيه الولايات المتحدة والسعودية، كما صرح به السناتور الجمهوري جون ماكين، حيث وصل سعر صرف الدولار للروبل 56، وارتفعت نسبة الفوائد على القروض لتصل إلى 20٪ والصراع ما زال مفتوحا على كافة الاحتمالات.
الحرب المتعددة الأطراف التي استحوذت على اهتمام العالم بأسره، هي قيام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) باحتلال أجزاء واسعة من العراق وسوريا وإعلان قيام دولة الخلافة في 30 حزيران/يونيو بقيادة أبو بكر البغدادي. 
إن التمدد السريع بدون مقاومة من محافظات دير الزور والرقة في سوريا إلى السيطرة على الأنبار وأجزاء من محافظة نينوى وصلاح الدين والسيطرة على الموصل وبنوكها والاقــــتراب من إربيـــل وهروب الجيش العراقي بشكل مهين، أدى إلى انتشار نظرية المؤامـــرة بشـــكل واسع، في محاولة للإجابة على سؤال كيف يمكن أن يحدث هذا؟ مثلا كيف يمكن لتنظـــيم كان عدد أعضائه يقدر في بداية يونيو 4000 مقاتل يصل عدده في آب/أغسطس إلى نحو 50000 مقاتل في سوريا و30000 في العراق؟ كيف لتنظيم يقاتل تجمعا من 40 دولة يصمد في بلد صغير مثل عين العرب ولا تستطيع قوات التحاف بطـــائراتها وطوابـــير الحشد الشعبي ومقاتلو البيشــمركة من زحزحته عن البلدة. 
لقد شكلت الحرب الخاطفة التي شنها التنظيم واحتل أجزاء واسعة من العراق وضمها إلى مناطقه في سوريا، هاجسا كبيرا للولايات المتحدة وحلفائها ولم يستطيعوا أن يتفقوا على إستراتيجية ناجعة، رغم الإمكانات الهائلة المتوفرة لديهم عسكريا واقتصاديا وسياسيا. ومن المؤكد أن حرب «داعش» ستستمر في السنة القادمة وربما لسنوات قبل أن تجفف من حولها المنابع، ثم تذبل وتيبس وتموت بعد أن تكون قد جزت من رقاب الأبرياء من كل الديانات وكل الطوائف وكل الأعراق ما لا يحصى عددا. 
عام الإرهاب الدولي- من بوكو حرام إلى تحريك- طالبان
امتدت أيادي الإرهاب عام 2014 لتصل كثيرا من بقاع العالم بعضها لأول مرة. فقد سقط الأبرياء بالمئات بسبب الهجمات الإرهابية من الصومال إلى العراق ومن نيجيريا إلى لبنان ومن باكستان إلى أفغانستان ومن سوريا إلى مصر ومن الصين إلى ليبيا ومن شرق السعودية إلى اليمن ومن جمهورية أفريقيا الوسطى إلى مالي ومن كينيا إلى بلجيكا.
ولهول ما شاهد العالم من استهداف للأبرياء، خاصة في المربع العربي الأشد توترا (سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، لبنان ومصر) لا نستطيع أن نفي هذا الموضوع حقه، خاصة في وصف المجازر التي ارتكبها تنظيم «داعش» في حق المسيحيين والإيزيديين والأكراد والشيعة وأبناء القبائل، ليتثبت أنه تنظيم ضد العالم بأسره، إضافة إلى ما ارتكبته الميليشيات الطائفية من أعمال إرهابية ضد التجمعات السنية، خاصة في النصف الأول من السنة، أيام رئيس الوزراء العراقي السابق نورالمالكي. لكننا سنقتصر هنا في الحديث على أهم حادثتين خارج المربع العربي في نيجيريا وباكستان.
في 14 و15 نيسان /أبريل قامت جماعة بوكو حرام في نيجيريا باختطاف 276 طالبة من مدرسة ثانوية حكومية في مدينة شيبوك في ولاية بورنو شمال شرق نيجيريا. وأعلن مسؤول التنظيم أبو بكر شيكو في شريط مصور يوم 5 ايار/مايو مسؤولية التنظيم عن الخطف. وقال في الشريط: «إن الفتيات المختطفات سيعاملن كسبايا وسيتم تزويجهن أو بيعهن». أضيف إليهن 8 فتيات خطفن يوم 6 مايو من قرية وارابا بينما تمكنت 53 طالبة من الهرب.
الغريب أن الجيش النيجيري وقوات أمريكية ومساعدات لوجستية واستخباراتية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين كلها باءت بالفشل في تحديد مكان الطالبات. وقد اتهمت منظمة العفو الدولية بتواطؤ الجيش الذي علم مسبقا بعملية الاختطاف ولم يفعل شيئا. وستظل هذه الحادثة لغزا كبيرا بعد ثمانية أشهر من الحادث وفي عصر التكنولوجيا والاقمار الصناعية وأجهزة التنصت والاستخبارات، فشلت كلها وبطريقة مهينة في تحديد مكان أكثر من 200 فتاة. والأغرب كذلك أن هذه الحادثة على فداحتها لم تعد تحتل موقعا مهما على شاشة رادار الكوارث العظيمة لعام 2014.
أما الحادثة المروعة الثانية، التي تثير الاشمئزاز والغضب والقهر، فهي هجوم إرهابيي «تحريك- طالبان» يوم 16 كانون الأول/ديسمبر على مدرسة للصغار في مدينة بيشاور الباكستانية، أدت إلى قتل 132 طالبا وطالبة و9 مدرسين. تمكن الإرهابيون من تسلق سور المدرسة ودخلوا ساحة المدرسة وبدأوا بإطلاق النار العشوائي، ثم دخلوا الصفوف وكانوا يطلقون النار على الأطفال. وجاء في بيان لتنظيم تحريك- طالبان الذي نسب إلى نفسه المسؤولية، أن العملية جاءت ثأرا لعمليات الجيش في منطقة القبائل التي بدأت منذ شهر يونيو ومستمرة حتى الآن.
وتعقيبا على الحادثتين نسأل: أي إسلام يسمح ويبرر ويفتي بمثل هذه الجرائم التي لا ترتكبها حتى الوحوش في الغابات؟ أي دين وأي عقيدة وأي شريعة يمكن أن تجد فيها إشارة أو نصا مباشرا أو غير مباشر يسوغ لمثل هذا الإجرام؟ ولو وجدت فعلا تلك العقيدة لتخلى عنها ملايين من البشر كما تخلوا عن الفاشية والنازية.
بين التشرد والكوارث الطبيعية وداء إيبولا
لقد كان عام 2014 عام التمزق والتشرد والكوارث الإنسانية وقد صنفت أهم أربع كوارث من صنع الإنسان فكانت في سوريا أولا ثم جنوب السودان فجمـــهورية افريقيا الوسطى فالعراق. لقد بلغ عدد من شردوا من ديــارهم عام 2014 نحو57 مليون إنســـان من بينهم 15 مليون طفل بحاجة إلى 16 مليار دولار، بينما بلغ عدد الذين تأثروا بالكوارث الطبيعية، وتلك التي من صنع الإنسان قد بلغ 102 مليون إنسان. لقد تميز العام بكثرة الزلازل والفيضانات والانهيارات الطينية والأعاصير والحرارة المرتفعة غير المعهودة والعواصف والثلوج القاسية في كافة القارات ومعظم بلدان العالم، خاصة الصين ونيبال والبلدان الآسيوية. 
كما أن انتشار داء الإيبولا زاد من التحديات الكبرى التي شهدها العالم عام 2014. فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في آذار/مارس أن داء الإيبولا انتشر في غينيا، ثم انتقل بسرعة إلى ليبيريا وسيراليون. في شهر أغسطس أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الداء أصبخ خطرا عالميا يهدد الجميع إذا لم يتم احتواؤه وبسرعة، خاصة أن الدول الثلاث الموبوءة لا تملك لا الامكانيات ولا المهارات ولا الأموال لمحاربته. كما تبين أن هناك 17 حالة أو أكثر ظهرت خارج الدول الثلاث مثل، نيجيريا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية. ومع نهاية ديسمبر كان عدد المصابين بالداء قد وصل إلى 19497 حالة، مات من بينهم 7588. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن الجهود الجماعية قد تنجح في احتواء المرض مع منتصف عام 2015 إذا ما تواصلت الجهود الدولية والتعاون وضخ المال اللازم ونشر التوعية على مستوى العالم. 
وأخيرا ونحن نودع عاما مريرا نتمنى أن فك الحصار على كوبا سيتبعه إعادة تأهيل لهذه التجربة الفريدة التي أعطت دروسا للعالم في معنى الصمود والكرامة الوطنية والتقدم العلمي، خاصة في مجال الصحة وارتفاع نسبة التعليم ليصل إلى 100٪ وحولت العقوبات الظالمة منذ عام 1961 إلى حبل يلتف حول عنق المحاصِر لا المحاصَر. وكل عام وأنتم بخير.