الوزيعة أو "تمشرط" بالأمازيغية تقليد اجتماعي متجذر في القدم سبق وصول الإسلام إلى شمال أفريقيا حيث لا تزال جهات كثيرة في الجزائر، خصوصا في منطقة القبائل، تحافظ على هذا الموروث الثقافي كجزء من التعبير عن عراقة الهوية الأمازيغية.
وتقام الوزيعة في الأرياف خصوصا، حيث يجمع أهالي القرية الأموال لشراء العجول وذبحها، ثم يوزعونها على كل السكان بلا تمييز بين فقير وغني، بهدف إشاعة الفرح وتعميق قيم التكافل والتعاون.
ورغم أن عادة الوزيعة أقدم من دخول الإسلام لشمال أفريقيا فقد ارتبطت بالمناسبات الدينية ولاسيما في شهر رمضان المبارك حيث تكثر مظاهر التآلف والتعاون وعمل الخيرات.
قرية تالبنت:
عمر حمداني رجل في نهاية الخمسينيات من العمر لم يمنعه سكنه وعيشه في حي القبة بالعاصمة الجزائرية من البقاء مرتبطا بجذوره وأصوله وقرية أجداده في منطقة القبائل.
يقول حمداني للجزيرة نت إن قريته "تالبنت" بمحافظة تيزي وزو (120 كم شرق العاصمة) تعود أهلها إقامة الوزيعة في 7 يوليو/تموز من كل عام "كي يكون العام الزراعي عاما مباركا".
وقبل يوم الوزيعة بأسبوع يطلب من السكان عدم إحراق بقايا الحصاد أو الأشجار الميتة مع القيام بحملة تنظيف تزامنا مع بداية فصل الصيف، حفاظا على البيئة وتفاديا لنشوب الحرائق.
ويضيف حمداني أن قرب شهر الصيام مع التاريخ المحدد "للوزيعة" دفع الكثير من أهالي القرى إلى إقامتها في رمضان ولاسيما أن هناك محتاجين وفقراء وهناك من يحرص على التصدق أكثر في الشهر الفضيل.
وتقوم اللجنة المنظمة بقرية تالبنت بشراء ما بين أربعة وخمسة عجول على أن يساهم الجميع في شرائها بمبالغ محددة بعد تقسيم القيمة الإجمالية على كل السكان بالتساوي، غير أنه يحدث أن تنخفض القيمة إذا تطوع بعض الميسورين بدفع أقساط كبيرة.
التكافل والتعاون:
من جهته يؤكد أعمر ناصري وهو من قرية تقع على ساحل محافظة بجاية في شرق الجزائر أن الوزيعة تقام في كل المناسبات الدينية مثل رمضان وعاشوراء والمولد النبوي الشريف.
كما أنها قد تكون بين أبناء القرية الواحدة أوبين عدة قرى يشكلون قبيلة واحدة (العرش) أو بين عدة عروش.
ويؤكد ناصري للجزيرة نت أن الهدف من الوزيعة أسمى من تقسيم اللحوم وتوزيعها، حيث يُزرع التآزر ويُجمع الشمل. وأضاف أن المناسبة قد تستغل لحل بعض الخلافات بين الأفراد والقرى، مثلما قد تكون فرصة لإطلاق مشاريع تطوعية من أجل المصلحة العامة.
من الوثنية للإسلام:
وعن الوزيعة يقول الباحث في التراث الأمازيغي الدكتور محند أرزقي فراد إنها آلية من الآليات التي تجسد مبدأ التضامن المتأصل عند الأمازيغ، ويضيف أن "تمشرط" كما تسمى بلغة البربر لم يأت بها الفتح الإسلامي بل كانت موجودة قبله "وإن كان الإسلام هذبها وخلصها من المعتقدات الوثنية".
وأوضح فراد للجزيرة نت أن الوزيعة كانت "طقسا دينيا وثنيا ووسيلة من وسائل التقرب للقوى الغيبية من خلال الذبائح" مثلما كانت مرتبطة بالمواسم الزراعية طيلة السنة من حرث وزرع وحصاد ومع دخول العام الجديد، كما أن هدفها إشاعة الفرح والسرور في القرية حيث يتوفر اللحم للجميع.
غير أن تطور المجتمع والمعيشة حولها إلى مجرد فلكلور "يتم إحياؤه كجزء من الهوية الجزائرية في بعدها الأمازيغي وكإعلان عن التمسك بالتقاليد والعادات والموروث الثقافي".
المصدر : الجزيرة