حول الأمسية التأبينية المنظمة من قبل أسرة أهل عبدي الفاضلة

اثنين, 2015-01-05 13:08
 عبيد اميجن

في الأمسية التأبينية التي أقامتها أسرة أهل عبدي للفقيد المبدع "أبو عبادة"، مساء أمس في فندق موريسانتر، انصب الحديث حول شخص آخر .. عـن شاعـر قبلي إسمه محمد ولد عبدي...وعـن رجـل قومـي اسمه "أبو عبادة"... وكان الجو عائليا بامتياز دون أن يستطيع الغرباء من أمثالي التحدث بحريتهم عـن شخصية الراحل كما عرفتها بفضل علاقـة التواصل التي ربطتني به منذ مدة ليست بالطويلة.. والتي كشفت لـي عن شخصيته المناضلة... بل والحقوقية، ولأنني أعرف السياق العائلـي الذي أنعشت فيه الندوة فقـد فضلت الإختصار نزولا عند رغبة المنظمين وهـو ما أربك مداخلتي المكتوبـة أصلا، وهي مداخلة بدت نشازا في أعيـن أغلب من حضـر وفي مقدمتهم مناهضوا أفكار الراحل ممن قدموا أنفسهم اليوم أصدقاءه الخلص ورفاق دربه منذ عقود...!

...أنا أعرف أن "الخطيئة الثورية" هي أن تحارب في غير معركتك..! أما إذا حاربت لصالح خصمك فأنت مجرد "أعويكب"، لذلك كتبت الليلة أيضا انطباعاتي الشخصية حول احتفالية التأبين...، لقد كان من المؤكد بالنسبة لـي أنه إلى جانب شخصية المفكر والشاعر والناقد والدكتـور محمد ولد عبدي كانت أيضا توجد شخصية الثائر والرافض للأنساق التقليدية.. كل الأنساق التقليدية بما في ذلك القبيلـة والقومية، مثلـه في ذلك "محمود مسومة" و"جمال الحسن" ..فقد بدا لـي الرجل مؤمنا بضرورة رفع المظالم التاريخية وبأنها مسألة إلى زوال بقوة حجـة حامليها.. وهو كان جزءا من الآلة التي تنضج تلك الحجج ...بوصفه حاملا لقضية ..لقضية شعب وشريحـة.

 حتـى وإن رفض من في القاعة الإقرار بذلك فحتما سيدرك هذا الإستنتاج كل من تصفح كتبه .. و راجع قصائده وأشعاره، التي تتحدث عن رجل لم يكن ليقف مكتوف الأيادي أمام العابثين بمصائر مكونات الوطن، وتبين بأنه لم يكن ليتوسل أو يستجدي الرفق بالمكونات الأكثر هشاشـة..فقـد شارك بدوره في فرض إرادة التغيير حبا في العدل والمساواة... بل وصل بـه الأمـر لحد إهتدى فيه للتفكير في أوضاع هؤلاء ..المنبوذين ..المسترقين ...المهمشين ..كل المهمشين ..وكان يجتهد في اقتراح البدائل أمام الآخرين...و لا يمكن أن يكون وصفه بالأديب صاحب القضية تقزيما لأدبه الرفيع أو تحجيما لدوره كأديب عالمي، فالقرطاس والقلم لم يخلقا لكـي نكتب بهما شعرا رائقا للعموم بل لكـي نستنهض الأمم المغلوبة على أمرها ولنقود العامة لا لتقودنا..ولنير الطريق أمام الشعوب المستأسد عليها..و"لتبصير" الشرائح المطاردة إجتماعيا..

وكـل الصفات الظاهرة والخفية فضحها قلم "أبو عبادة"..ونحـن قرأناها في كتبه ..وبين دفاتر دواوينه..

وكما يقال كل إناء بالذي فيه ينضح ..وقـد نضحت قراطيس "أبو عبادة" بفكره وهمومه وخلقه وثقافته، وليقرأها الآخرون وكل ذلك في موازين حسناته.

هل كان الدكتور محمد ولد عبدي يكتب لإثبات الوجود؟..، إذا كان كذلك فقـد أثبت وجوده من زمان، وهو ليس بالرجل العابث..! أم أنه كان يكتب لينشر رسالة قوامها التغيير الثقافي والاجتماعي، والأرجح أنه كذلك.

وسأختم بإيراد مقتطف من آخر مقابلة صحفية أجريت معه، وكان يتحدث فيها عـن قيم النضال ومحاججة الأفكار الرافضة للتغيير، ويحرض المتطلعين إلى المساواة من أجل التحصيل المعرفـي فيقول:

"... كما أن من مداخل ذاك النضال على المستوى المعرفي تفكيك الأنساق التقليدية المهيمنة وكشف حيَّلها السلطوية وقدرتها على التخفي في اللغة والرموز والإشارات،  وفضح أساليبها في سلب الإرادات وتسريب المسلمات الخرافية  وجعلها جزء من المخيال الجمعي، ولن يتحقق هذا المطلب الأخيرُ إلا بإرادة المعرفة وتحصيلها وتوظيفها من أجل تغيير الحال والمآل، وحينها سنكون جميعا موريتانيين هوية وانتماء، منصهرين في بوتقة واحدة متحدين في معركة وحيدة هي معركة التنمية والحلم المشترك، لا متخندقين في هويات خرساء تُفخِخُها كراهياتٌ متفلتةٌ. وبعد أو ليست أمريكا بتعدد هوياتها بوتقة صاهرة أو قل جوزة هند، ظاهرها بألوانه وقلبها أبيض، لا يجمعها سوى حلم مشترك كبير؟..."

 

لم أحد عن قول الحقيقة ولم أسكت عن المهاترات أو الفزاعات الخرافية التي أظهرها التوابل بالأمس في فندق موريسانتر...ويسو كاع قالوا هذا أكلام أهل السياسـة.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك OubreidI