ليس خافيا على أحد هذا المنحى الكارثي الذي تتجه إليه موريتانيا الحبيبة، التي لم تجد في عمرها اليافع أسوء من هذا النظام الذي كان يحكمها بالفساد والاستبداد وتحول إلى حكم بالدم والحديد والنار. تابعت كغيري من المنفيين في أصقاع الأرض الحملة المسعورة لتغير الدستور وضرب رموز الجمهورية الفتية، ودهشت لإصرار هذه الطغمة العسكرية دون غيرها من الغابرين على أن تقسم كل شيء وتشوه كل جميل في تلك الأرض، يرددون اليوم أن علمنا الأخضر الزاهي غير باهي وأن هلاله ونجمته الذهبية لاتشع نورا ولاتضفي سرورا. يعتقدون ببلاهة الرقيب وبلادة الجاهل المغيب أن خطوطا حمراء غبية على سارية علم الجمهورية ستزيده جاذبية، ستجعله معبرا عن مقاومة لم تكن لوجه الله والوطن، لكن قبل أن يعلموا بالقبح العلم ويخضبوه بالدم الزائف عليهم أولا الاعتذار لأبطال نثرو دمائهم الزكية تحت سارية علم الجمهورية. فليخبروا الرائد البطل سويدات ولد وداد أنهم وبعد كل معارك الشرف في عين بنتيلي قرروا بأن العلم الذي استشهد تحت ظلاله الوارفة لم يكن جميلا، فليبلغوه بأن جنرالات من الورق لم يخوضوا في حياتهم حربا ولاقتالا قرروا أن القضية غير مجدية وأن الشكل أهم من المضمون وأن العلم الأحمر أحسن من الأخضر والأصفر. يريدون أيضا وللغرابة أن يغيرو نشيد التوحيد "كن للإله ناصرا" هو بالنسبة لهم غير حماسي، لايثير فيهم النشوة ولايحرضهم كما ينبغي، ليس لعيب فيه إنما لأن همما لم تشحذ يوما للذود عن الوطن تحتاج أكثر من الكلمات، في تاريخهم الجديد الذي يروجون له ، لامكان للشيخ سيديا بابه لأنه مجرد "أملاز" كان يترجم عن المستعمر مايقول، لاحاجة لهم "لمرابط" سني عالم فقيه مجدد عارف بالله لأن منظومته العقدية والثقافية والقيم التي غرسها في الأجيال تناقض شجعهم المستطير وجهلهم الضارب في الجذور. حتى الرئيس المؤسس المختار ولد داداه لم يؤسس شيئا بالنسبة لهم كل البلاد تحتاج إعادة التأسيس على قيم جديدة ومنظومة فكرية وثقافية جديدة يروج لها لصوص الحضارة. بالنسبة لهم موريتانيا الجديدة لايجب أن توجد إلا في جيوبهم يحلبون أرضها ويستدرون سمائها ويستعبدون رجالها ونسائها ويعبثون بمالها ومائها ومرعاها يأخذون خيراتها ولن يجعلوها وطنا لأن الوطن بالنسبة لهم فكرة أسطورية لاتوجد إلا في قاموس الضعفاء. لايعنيهم من إرث الراحل المختار ولد داداه سوى أهمية القطع الأرضية في الشارع الذي سموه عليه لترتفع قيمة الأرض التي نهبوها، أما النشيد فقد حرموا على الصغار ترديده كل صباح، منذ مدة لأنهم أفاقو يوما فلم يجدوا المدرسة آه نسيت لقد باعو المدرسة فلاحاجة لتحية العلم ولا حاجة لغناء النشيد في الطابور عندما لاتوجد مدرسة.