هجرة الأدمغة كما تراها «الميادين» و«الجديد»

أربعاء, 2015-01-07 23:02
فاطمة البدري

لقاء نظرة على العالم منذ أوائل القرن العشرين إلى اليوم تجعلنا نقف على النسق السريع للتطورات الكبيرة التي شملت مجالات الحياة العلمية والأدبية. وهذه الأرضية الجديدة فتحت قنواتها أمام دعائم التطور العلمي في سعي مستمر نحو استقطاب من يملك القدرة على الابتكار والتجديد من الكفاءات العلمية الواعدة والمنفردة بإمكانياتها الذهنية في مختلف أنحاء العالم.
وأمام هذا المناخ المفتوح أصبحت هجرة الأدمغة ظاهرة عالمية جلبت انتباه الساسة والحكام والباحثين وصناع القرار، الذين نجحوا في توظيف هذه الهجرة بما يخدم مشاريعهم ومصالحهم مستفيدين من النبوغ الذهبي المتطور لهؤلاء المهاجرين.
في هذه الأثناء لا تزال العديد من الدول النامية ولا سيما الدول العربية تتغافل عن هذه الظاهرة، ولا تكترث إلى حجم خسارتها بسبب فقدانها لهؤلاء العلماء الذين استغنت عن خدماتهم وإمكانياتهم المتطورة التي تساهم في بناء مجد علمي في الدول التي وعت جيدا مدى أهمية وجودهم في المشهد العلمي اليوم، والتي تتحول إلى أوطان بديلة بالنسبة لهذه العقول.
وقد توقفت قناة «الميادين» في برنامج «خارج القيد» الذي تقدمه الاعلامية منى صفوان عند مسألة هجرة الأدمغة في الدول العربية وفيه حاولت برفقة مجموعة من الضيوف الوقوف عند أسباب هذه الهجرة والحلول التي لا بد أن تتوخاها الحكومات في محاولة للحد من هذه الظاهرة.
وتوقف الضيوف عند الأسباب السياسية والأمنية والاقتصادية أيضا على اعتبار أنها أحد أبرز دوافع ترك الكثير من أصحاب المعارف الكبرى أو ما يصطلح على تسميتهم «بالأدمغة» لأوطانهم والاستقرار في دول أوروبية وأمريكا وكندا وأستراليا.
والأكيد أن هذه النقاط تعد حقا الأسباب الكبرى لرحيل هؤلاء عن أوطانهم بل هي معضلة كبيرة يعاني منها الوطن العربي، وتحتل الأولوية في التأثير المباشر على هجرة الكفاءات العربية.
فمن جهة هناك عامل عدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي وتهميش الباحث من قبل القيادات السياسية التي تؤدي إلى شعور أصحاب الخبرات بانعدام التوازن والاستقرار في أوطانهم وتضييق الأفق أمامهم مما يضطرهم إلى الهجرة سعيا وراء ظروف أكثر حرية وأكثر استقرارا.
ولعل ما يزيد حدة هذه الظاهرة أن الكثير من الدول العربية تملك من الخيرات الثروات ما يفي بحاجة كل أبنائها، ورغم ذلك يجد أبناء هذه الدول أنفسهم في مطب البطالة التي تنتج أساسا عن سوء تخطيط رجال السياسة والحلقة المحيطة بهم.
وقد لا ننسى في هذا السياق البيروقراطية المقيتة المتبعة في الدول العربية والفساد الإداري وتضييق الحريات على العـقول العلمية المبدعة التي تكون بمثابة الناقوس الأخطر بالنسبة لعقول تطمح إلى مساحات أكبر من الحرية لإبراز ابداعاتهم.

استنزاف العلماء

هذا ويعاني بعض العلماء من انعدام وجود اختصاص حسب مؤهلاتهم كعلماء الذرة وصناعات الصواريخ والفضاء، ناهيك عن مشاكل عدم تقدير العلم والعلماء في أغلب الدول العربية. 
ومن جهة أخرى فإن عدم توفير الظروف المادية والاجتماعية المناسبة لهم للعيش في ظل مجتمعاتهم يشكل أحد الأسباب الكبرى لرحيلهم.
وبهذا تخسر هذه الأوطان طاقات إنتاجية وعلمية تذهب إلى البلدان الغربية، في حين تحتاج عجلة التنمية العربية لمثل هذه الكفاءات في مختلف المجالات وخاصة المتعلقة بالبحث العلمي والتقنية. 
وبالعودة إلى التقارير التي رصدت مسار تطور هذه الظاهرة في الدول العربية فإننا نقف على أرقام قد تفاجئ الكثيرين، ولكنها حتما لن تثير اهتمام الساسة العرب الذين يهتمون بسبل مواصلة جلوسهم على كرسي الحكم أكثر من التفكير في آليات استقطاب الكفاءات والأدمغة واستثمارها محليا. حيث تشير الاحصاءات الى أنه قد هاجر اكثر من سبعمائة وخمسين ألف عالم عربي إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقط منذ سنة 1977 وحتى اليوم.
وتؤكد أن 50 بالمئة من الأطباء و23 بالمئة من المهندسين و 15 بالمئة من العلماء من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون الى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
ويشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا نحو 34 % من مجموع الأطباء العاملين فيها. كما يساهم الوطن العربي في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية، و 54 % من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون الى بلدانهم. 
وحاول الضيوف طرح حلول على أن تلتزم بتنفيذها سلط الإشراف حتى تستعيد أو تستفيد نسبيا من هذه الخبرات التي تساهم بنسب كبيرة في تطور اقتصاد دول متقدمة موزعة في هذا العالم.
ولكن يبدو أنه من العبث التطرق لمثل هذه المسائل في الوقت الذي تتحول فيه الدول العربية تباعا إلى جاذب للإرهابيين ومصاصي الدماء وقد أغمضت أعينها عن مظاهر التطور والعلم والتكنولوجيا كلها.

صراع الرئيس اللبناني على «الجديد»

وفي الوقت الذي تواصل فيه الخبرات العربية سيرها نحو أوطان أكثر استقرارا وأكثر وعيا بأهميتهم، ها هو لبنان ما يزال يبحث عن رئيس يجتمع حوله كل اللبنانيين بمختلف اطيافهم. ولم ينجح مجلس النواب في انتخاب رئيس جديد طيلة 15 جلسة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني الذي نتج عن الخلافات والانقسامات بين القوى السياسية، مما أدى إلى صعوبة التوافق على مرشح يحظى برضى الجميع.
وانحصر هذا الملف بين كل من رئيس «التيار الوطني الحر» ميشال عون ورئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع في صراع ثنائي زاد من أزمة الرئاسة في بلد الأرز. برنامج «الأسبوع في ساعة»، الذي يبث على قناة «الجديد» اللبنانية استضاف الجنرال عون، وحاول التطرق إلى ملف الرئاسة في لبنان وثمار الحوار بين المرشحين السالف ذكرهما.
وفي الحلقة استنكر الجنرال الحديث عن ربع قرن من الصراع مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، موضحا ان هناك قضايا كثيرة تخص المسيحيين وتخص الوطن ككل وهي مواضيع شائكة، وأحيانا يوجد اختلاف كبير يحتم الحوار خدمة للمصلحة الكبرى. 
والحقيقة أن هذا الحديث يشبه الكثير من الخطب السياسية العربية، خاصة التي تروج على مستوى القول لا الفعل المصلحة العليا للوطن. وهنا دعنا نلقي نظرة على لبنان الذي يقبع دون رئيس منذ ما يقرب عن سبعة أشهر في حين تختلف أطراف مثل سمير جعجع وميشال عون عن الكرسي.
لهذا بدا الامر مضحكا في الوقت الذي تحدث فيه «رئيس التيار الوطني الحر» عن مصلحة الوطن والمسيحيين خاصة. فهل تكمن المصلحة في التعنت لمجرد يقين شخصي بأهليته في كرسي الرئاسة؟ أم هل أن أجندة اللعبة السياسية تحتم هذا التماشي؟ ففي الوقت الذي يدعي فيه هذا الأخير أنه يمثل الأكثرية المسيحية ندرك بمجرد إلقاء نظرة على المشهد السياسي في هذا البلد أن «حزب الله» يجر النائب المسيحي «ميشال عون» لتكون لديه كتلة كبيرة في مجلس النواب وليس بسبب التمثيلية الكبيرة للمسيحيين. 
لتتواصل المسرحية بين الطرفين في صورة ظاهرها مسار داخلي وحقيقتها توجيهات لتيارات خارجية مختلفة المدارس والانتماء ترغب في ترسيخ موطئ قدمها أكثر في لبنان. حيث تعود أسباب هذا العجز بشكل أساسي إلى انقسام المجلس كما البلاد، بشكل حاد بين مجموعتين سياسيتين أساسيتين هما قوى «14 آذار» المناهضة لدمشق وحزب الله والمدعومة من الغرب والسعودية، وأبرز أركانها الزعيم السني «سعد الحريري» والزعيم المسيحي الماروني «سمير جعجع» المرشح إلى رئاسة الجمهورية، وقوى «8 آذار» المدعومة من دمشق وطهران، وأبرز أركانها «حزب الله الشيعي» والزعيم المسيحي الماروني «ميشال عون».
مع العلم أن لبنان كان قد شهد بين سبتمبر/أيلول 2007 ومايو/آيار 2008 أزمة مماثلة، إذ بقي البلد دون رئيس إلى حين حصول تدخلات دولية وإقليمية ضاغطة وتسوية بين الأطراف اللبنانية انتهت بانتخاب «سليمان فرنجية» الذي كان قائدا للجيش آنذاك. كما حصل فراغ استمر سنتين في منصب الرئاسة خلال الحرب الأهلية (1975-1990) انتهى باتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب وأجرى تعديلات جذرية على النظام السياسي اقتطعت الكثير من صلاحيات الرئيس الذي هو من نصيب الطائفة المارونية في لبنان، بينما تعود رئاسة مجلس الوزراء إلى السنة ورئاسة المجلس النيابي إلى الشيعة.
وإلى ان يتم التوافق ما زال لبنان دون رئيس إلى موعد غير مسمى.