
يبدو أن سؤال «لماذا يكرهوننا» الذي تداولته مؤسسات إعلامية أميركية كبرى، ومراكز أبحاث عديدة، إثر غزو أميركا المسلح لأفغانستان والعراق. ورفضت سورية لغة التهديد به عبر الوزير كولن باول، لم يكن أحجية، بل إنه ما يزال سؤالاً دائم الحضور في الواقع السياسي الدولي، وتتزايد أسباب وضوحه طرداً مع انتقال سياسة بوش الابن الخشنة، إلى سياسة أوباما الناعمة التي تناور وتتخبط بإدارة إرهاب مبرمج على اختلاف تسمياته وأجنداته، كما تتحكم بمصادر تمويله وأسلحته في سورية والعراق ومناطق أخرى قريبة وبعيدة..!؟
كما أن السؤال لم يعد مبعث دهشة أو استغراب، بعد أن أصبح يعكس مأزقاً يكشف عن بنية أيديولوجية وسياسية وأخلاقية، باتت ارتداداتها تؤرق أمريكا وحلفها المأزوم على غير صعيد، نظراً للوقائع السلبية التي أفرزتها إدارة واشنطن للإرهاب، وإن كان الهدف الأساسي لها تقسيم الدول الوطنية في المنطقة العربية وخارجها، وإضعاف جيوشها إلى أمد بعيد لحساب ما يسمى «إسرائيل العظمى في الشرق الأوسط الجديد»!؟ ما يعني أنه مأزق يعكس طيفاً واسعاً من الإجابات التي تضع نقاط الوقائع على حروف السؤال، ومن بينها:
1 – ماذا تخفي واشنطن خلف موقفها في مجلس الأمن الدولي لإسقاط مشروع فلسطيني بحدوده السياسية الدنيا، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، غير ذلك الذي تمثل علناً بقهر الإرادة الوطنية للشعب الفلسطيني!؟
2 – هل يمكن فهم مرامي مؤامرة أسعار النفط، الأميركية – السعودية خارج حسابات الضغوط السياسية والاقتصادية على كل من إيران وروسيا في معركة الدفاع عن الحقوق ومبادئ الأمم المتحدة!؟
3 – لماذا تصر واشنطن على إدارة الإرهاب علناً وليس سراً. واللعب على مفرداته والتحكم بمساراته وتحويله إلى سيف تستخدمه عند الطلب سواء من حيث المكان أم الزمان. إن لم يكن الغرض من وراء ذلك تحقيق أهداف جيوسياسية في سورية والعراق ومناطق أخرى داخل دائرة الاهتمام، وهو ما يأتي استكمالاً لما أفصح عنه كيسنجر ذات مرة من أهداف للحرب العالمية الرابعة والذي يتمثل «بضخ الحقد للسيطرة على الشعوب التي تحيط بمصادر القوة في الشرق الأوسط وهما إسرائيل والنفط بحيث يصبح القتل الجماعي مجرد أضرار جانبية»..!؟ وليس بعيداً فقد استخدمت أمريكا مصطلح «كروسيد» البغيض، عنواناً مخادعاً لغزو أفغانستان.
4 – لماذا تخادع أمريكا العالم وشعوبه بسؤال لماذا يكرهوننا، ولاسيما أن «مشروع الشرق الأوسط الجديد» تعتبره واشنطن بمنزلة المسرح الوسيط الذي تدير على مساحته الحرب حالياً بواسطة إرهاب مبرمج لم يعد سراً أنها تدعمه بالمرتزقة والسلاح، جواً وبراً، وجعلت مركز القيادة العسكرية والاستخباراتية منتشراً في قطر والسعودية وتركيا والأردن ناهيك عن الدور الإسرائيلي وامتداداته..!؟
وعليه فإن أحداً لم يفاجأ بتأكيد ايريك شميث الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بقوله: «إن واشنطن تتذرع بعشرات الحجج من أجل تسليح وتدريب الإرهابيين في سورية ممن تطلق عليهم صفة «المعارضة المعتدلة» بدعوى أنها الطريقة المثلى لمحاربة داعش الإرهابي».
كما أنه من السذاجة الاعتقاد بأن واشنطن في وارد الانصياع لموجبات الأخلاق التي لا مكان لها في سياساتها البراغماتية. حتى وإن اضطرت في مكان ما للمراوغة والمناورة لحاجة التخفيف من عبء المأزق وأضراره المحدقة واللاحقة سواء ما يتعلق بها مباشرة أو بحلفها وملحقاته المتناحرة والمتهاوية. ولعل هذا يفسر جانباً من حقيقة ما يكمن خلف عدم اتخاذ واشنطن مواقف دعائية مباشرة تجاه ما تقوم به الدبلوماسية الروسية بشأن عقد لقاء تشاوري بين السوريين، حكومة ومعارضة في موسكو بنهاية الشهر الحالي من دون شروط مسبقة وأي تدخل خارجي.
إن محاربة الإرهاب بكل أشكاله أولوية وطنية سورية غير قابلة للجدل أو النقاش بشأنها ولاسيما أن محاولات مقايضة الإرهاب بأجندات سياسية تتلطى وراءها مصالح دول وأطراف وجهات سيئة الصيت ومشبوهة الحركة والأداء.. قد أسقطها السوريون جيشاً وشعباً وأصبحت خارج مسار انتصاراتهم الوطنية.
غير أن الاستنتاج المنطقي يشي بأن واشنطن لن تقبل أن تكون بعيدة عن مجريات لقاء موسكو، بل إن ما تسعى إليه إفشال أي جهد يؤدي في مآلاته إلى حل سياسي يلبي إرادة السوريين في السيادة الوطنية بكل ما تعنيه رموزها وتجلياتها الوطنية، ولعل ما يؤكد حقيقة المساعي الأميركية السوداء يتمظهر بشخصيات تلقت تدريبات وتعليمات في مراكز ومختبرات أجهزة مخابرات متعددة الجنسيات تديرها المخابرات الأميركية والصهيونية، وإذا كانت إدارة هؤلاء مباشرة في مونترو السويسرية فلن يكون صعباً إدارتها عن بعد وفقاً لمقتضيات الوظيفة المرسومة، ولقد أصبح مكشوفاً بما لا يقبل الجدل أن الذرائع مهما كان شأنها وتفنن الصانعون لها بصيغ إنتاجها فإن الوقائع على أرض الميدان السورية قد أسقطها أو أفشلتها بأقل تقدير، وكما أن الأوهام لا تصنع واقعاً فإن الإرهاب لا يصنع أمناً أو سلاماً لأحد حتى لأولئك الذين صنعوه واحتضنوه.
بطبيعة الحال فإن شمس الحقيقة لا تغطى بغربال.. وإرادة السوريين بقيادة الرئيس بشار الأسد حقيقة شديدة الوضوح في السياسة كما هي في الميدان.
وربما يختصر ذلك وغيره الكثير زيارة الأسد لمواقع أبطال القوات المسلحة في جوبر مع إطلالة العام الميلادي الجديد ومخاطبته رجال الحق في الميدان قائلاً: لا أعياد إلا أعياد الانتصار.. وهو عيد يراه السوريون أقرب إليهم من حبل الوريد.. حيث تسقط الذرائع وتتلاشى الأوهام أمام شمس الحقيقة وسمو الحق الوطني وشموخ المدافعين عنه فوق الأرض السورية.