تصورات لسيناريو ترامب تجاه ايران

ثلاثاء, 2017-09-19 09:22
صالح السيد باقر

ما كادت رؤوس العالم تستريح من الصداع الذي سببه الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية نتيجة تهويلهم للبرنامج النووي الايراني، بابرام الاتفاق في يوليو 2015  حتى بدأت ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب باثارته من جديد.

يا ترى هل صعوبة الملف الايراني بلغت حدا حتى بدى وكأنه عصي على الحل، مما دفع ادارة ترامب الى المطالبة باعادة التفاوض بشأنه رغم أن خمسة دول عظمى (روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا) بالاضافة الى ادارة الرئيس اوباما اجرت مفاوضات لنحو عامين ونصف مع ايران بشأنه؟

اثارة الملف النووي الايراني من جديد بعد أن وقعت عليه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، يدعونا الى التفتيش عن اسباب أخرى غير الأسباب المعلنة، ومن بينها انتهاك ايران لهذا الاتفاق، كما تدعي حكومة ترامب.

لو كانت أسباب اثارة النووي الايراني من جديد حقيقية، لكانت تسويتها سهلة للغاية، فهناك مرجعية دولية لحسم مثل هذه الأمور وهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويمكن أن تعود واشنطن اليها وتعلن الأخيرة عن موقفها.

وبالفعل أقدمت واشنطن على هذه الخطوة عندما زارت سفيرة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة نيكي هايلي فيينا والتقت بمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا امانو، وما كان من امانو الا أن اعلن الاسبوع الماضي وبعد اللقاء أن ايران لا تزال ملتزمة بتنفيذ الاتفاق النووي.

من المفترض أن يتوقف ترامب عند هذا الحد، فيا ترى لماذا لم يتوقف؟

يسعى ترامب الى تحقيق عدة أهداف من سياسته تجاه الملف الايراني، هدف معلن وهدفان غير معلنين، وأي هدف من هذه الاهداف لو تحقق فانه سيحقق انجازا كبيرا لحكومة ترامب، وبالتالي فان ايران تبذل مافي وسعها لاحباط كل الاهداف، من خلال عدة خطوات، سنأتي على ذكرها.

اما الهدف المعلن للحكومة الأميركية فهو اعادة التفاوض حول البرنامج النووي الايراني، والهدف من اعادة التفاوض هو ضرورة أن يتضمن الاتفاق القدرات العسكرية الايرانية وخاصة القدرات الصاروخية، وكذلك أن تكون الولايات المتحدة أحد المستفيدين من الاتفاق بحيث تبرم طهران العديد من الصفقات التجارية والاقتصادية مع واشنطن كما فعلت سائر دول الاتفاق حيث أبرمت صفقات بمليارات الدولار، وأيضا أن يتضمن الاتفاق اعتراف ايران باسرائيل.

ربما توافق ايران على الصفقات التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، بل أن هذا حدث بعد الاتفاق حيث وقعت ايران على عقد شراء بعض طائرات شركة بوينغ الأميركية، ولم نسمع من مسؤول ايراني ان طهران أغلقت باب ابرام الصفقات مع الولايات المتحدة، إلا أن قضية القدرات العسكرية الايرانية وكذلك الاعتراف باسرائيل فمن المستحيل لايران التفاوض بهذا الشأن.

الهدفان غير المعلنين، هما، الأول شيطنة ايران، أو ما تسميه طهران بالايرانفوبيا، والثاني، هو دفع ايران الى الخروج من الاتفاق النووي والغائه، وكلا الهدفان يسعيان الى بلورة اجماع دولي ضد ايران.

من المؤكد أن الادارة الأميركية ترمي من شيطنة ايران الى دفع بعض الدول وخاصة الدول الصغيرة في المنطقة للاحتماء باميركا وابرام صفقات عسكرية وأمنية وسياسية بمليارات الدولار معها، أما فيما يتعلق بالدول الكبيرة، فستكون شيطنة ايران رادعا نفسيا وسياسيا كبيرا لها من الاقتراب من ايران.

ربما بلورة اجماع عالمي ودفع ايران الى الخروج من الاتفاق النووي صعب المنال ولكنه ليس مستحيلا اذ يتعين على ادارة ترامب الكثير من العمل، وتقديم المزيد من التنازلات والامتيازات لهذا الطرف وذلك، لانضاج هذا المشروع، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن ترامب وسياساته اصبحت منبوذة وتبغضها أغلب دول العالم لذلك فان تحقيق هذا الهدف ليس سهلا.

من جانبها فأن طهران لن تقف مكتوفة اليدين أمام تحركات ادارة ترامب، بل ستقوم بتنشيط دبلوماسيتها لاحباط التحركات الأميركية ضدها، خاصة وان الخارجية الايرانية قامت بتأسيس دائرة خاصة بالاقتصاد، تسعى من خلالها التحرك اقتصاديا ولكن في اطار دبلوماسي.

ايران طالما أعلنت أنها ستبقى متمسكة بالاتفاق النووي، ليس حبا به ولا لأنه يلبي كل رغباتها وطموحتها، وانما لأنه السبيل الوحيد الذي يبقي الاجماع الدولي مع الاتفاق النووي، ولعل أحد الوسائل التي ستستخدمها ايران في هذا الاطار هو تمتين علاقاتها مع كافة دول العالم، وستعلب الاتفاقيات الاقتصادية دورا كبيرا في هذا الاطار.

كما ان ايران ستواصل نهج احتواء التوترات والتوسط في حل المشاكل، والتعاون الجدي في مكافحة الارهاب، وهو الشعار الذي ترفعه أغلب دول العالم بل انه تحول الى التحدي الأول لبعض دول العالم.

نقلا عن رأي اليوم