للمرة الثالثة، منذ احتلال العراق عام 2003، يُهَدَدُ قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959، المعمول به حتى الآن، بالتعديل، على الرغم من كونه واحدا من أفضل القوانين المُشَرعة عربيا. كانت المرة الأولى في كانون الأول/ ديسمبر 2003 حين استلم عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الشيعي، منصبه كرئيس لمجلس الحكم، تحت الاحتلال، لمدة شهر.
وكان واحدا من «إنجازاته» اصدار القرار137 القاضي بإلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم 188 وإحالة شؤون المرأة والأسرة بكل تفاصيلها الحياتية من المحاكم المدنية إلى رجال الدين، كل حسب مذهبه، كخطوة أولى نحو مأسسة الطائفية عائليا. نَصَ القرار على» تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فيما يخص الزواج والخطبة وعقد الزواج والأهلية وإثبات الزواج والمحرمات وزواج الكتابيات والحقوق الزوجية من مهر ونفقة وطلاق وتفريق شرعي أو خلع والعدة والنسب والرضاعة والحضانة ونفقة الفروع والأصول والأقارب والوصية والإيصاء والوقف والميراث وكافة المحاكم الشرعية (الأحوال الشخصية) وطبقا لفرائض مذهبه». وأمر الحكيم بتنفيذ القانون منذ لحظة إصداره، متعاميا عن كونه أجيرا لدى المحتل، فبعد ان احتجت منظمات نسوية ولجأ عدد من «نسويات الاحتلال» اللواتي كن موعودات بحصة 40 بالمئة من المشاركة السياسية في مناصب الاحتلال، إلى بول بريمر، الحاكم العسكري الأمريكي لسلطة الاحتلال، تدخل لصالحهن واجبر المجلس على تجميد القرار.
كانت المرة الثانية أكثر تفصيلية. حين طرح حزب الفضيلة الشيعي، ممثلا بوزير العدل، حسن الشمري، مشروع القانون الجعفري إلى مجلس الوزراء في 27 تشرين الأول/اكتوبر 2013، ووافق المجلس على المسودة. ولم يتم تمرير القانون بسبب المعارضة القوية التي لم تقتصر، هذه المرة، على النسويات بل وتجاوزتهن إلى شرائح واسعة من الشعب والمنظمات الحقوقية داخل العراق وخارجه، بالإضافة إلى المنظمات الدولية مثل « هيومان رايتس ووتش».
نصت المسودة على مواد يرى الكثيرون بأنها عَبَّدَت الطريق لممارسات « داعش» فيما بعد، ومن بينها ان يكون سن الزواج للفتاة هو التاسعة وللفتى 15 أو اقل، بموافقة الوصي. وشرعنة تعدد الزوجات، وتوفير الارشادات العملية حول تقسيم قضاء الليالي بين أربع زوجات. كما لا يحق للمسلم الزواج الدائم من غير المسلمة. مما يعني ان للرجل الحق في الزواج المؤقت او «زواج المتعة» والذي يتم عادة بحضور رجل دين، يصادق على مدته التي تتراوح ما بين بضع دقائق إلى سنوات، ويتم دفع مبلغ معين إلى المرأة بينما ينال رجل الدين العمولة. وتنص احدى المواد على حرمان المرأة من النفقة إذا لم يتمكن الرجل من الاستمتاع بها إذا كانت مسنة او صغيرة جدا.
وها هي الرغبة بإجراء التعديلات، تعود من قبل نفس الجهة ولكن بصيغة أكثر ذكاء من سابقتيها حيث طُمست التفاصيل المباشرة، المثيرة للاحتجاجات الغاضبة، مثل تحديد سن الزواج بطفلة، بتشريع عام يحتمل كل ما أُريد تنفيذه سابقا.
صَوَت البرلمان يوم 31/10/2017 على مقترح قانون التعديل. ولم يتطلب الأمر أكثر من دقائق لحصول الموافقة. اذ قال رئيس الجلسة سليم الجبوري «هذا الموضوع ناقشناه لا يوجد داع مرة ثانية أن نأتي بمن يؤيد وبمن يعارض لأنه تم الاستماع إلى وجهات النظر بشكل كامل». كان الاعتراض الوحيد حول عدم اكتمال النصاب، فقال الجبوري: «ما هو وجه الاعتراض؟ أحسبوا العدد، أنتم موجودون وليس خارجين، لا تخرجوا، صوتوا وأنتم موجودون لأنه جرى فيه نقاش سابق، سوف أُعيد الفقرات السابقة وأُعلمكم أن هذا الموضوع تم النقاش فيه بشكل كامل، أصلاً أنتِ لم تكوني موجودة، الآن دخلت». وهي لقطة تُرينا سيرورة التصويت على قوانين وتشريعات تهدف إلى تغيير حياة المواطنين وتركيبة الاسرة والمجتمع، فيما يسمى « البرلمان»، بشكل « ديمقراطي» تم تصنيعه، خصيصا، لبلدان العام الثالث، المحكومة من قبل حفنة من التابعين المأجورين اما بشكل مباشر او غير مباشر.
يواجه التصويت على مقترح التعديلات، كما المرة السابقة، صرخات احتجاج من منظمات حقوق المرأة وخروج مظاهرات نسائية ضده، وحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، بمشاركة عدد من نواب البرلمان. باعتبار أن قانون الأحوال الشخصية المعدل يتعارض مع المواد الدستورية التي «تحفظ للمرأة كرامتها وتحفظ للمواطن حقوقه من منطلق إنسانيته وتحافظ على هويته الوطنية»، على الرغم من معرفة الجميع بطائفية وهزالة الدستور.
فما هي التعديلات المقترحة؟ اهم تعديلين هما عن السماح للمسلمين بتقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة، لتطبيق الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية وفق المذهب الذي يتبعونه، وبالتزام المحكمة المختصة « بإتباع ما يصدر عن المجمع العلمي في ديوان الوقف الشيعي، والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السني، وتبعاً لمذهب الزوج»، كما « يلتزم المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي بإجابة المحكمة عن استيضاحاتها، وفقاً للمشهور من الفقه الشيعي وفتاوى الفقهاء الاعلام، وعند عدم الشهرة يؤخذ برأي (المرجع الديني الأعلى) الذي يرجع اليه في التقليد أكثر الشيعة في العراق من فقهاء النجف الأشرف. د. يلتزم المجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السني بإجابة المحكمة عن استيضاحاتها، وفقاً للمشهور من الفقه السني».
أي، باختصار شديد، نقل صلاحيات اتخاذ القرار بصدد الأحوال الشخصية وهي جوهر واساس الحرية الشخصية من المحكمة المدنية، وهو المعمول به حسب قانون 188، إلى رجال الدين على اختلاف تدرجات فهمهم و» فقههم» و «مرجعيتهم»، وتمريرها من جهة إلى أخرى طلبا « للاستيضاح»، وما سيفرض من هيمنة وتكريس للطائفية المقيتة المستهدفة لوحدة العائلة، خاصة مع تخصيص العمل بمذهب الزوج.
تماثل اقتراحات التعديل الجديد التي تجنبت فخ التفاصيل الملزمة قانونيا مفهوم «التقية» المعلنة لغير ما هو باطني. مما أربك حملة المعترضين عليه. خاصة عند استخدام شعار زواج القاصرات وهو، في الحقيقة، غير مذكور صراحة في المقترح الجديد الحامل باحتمالات تأويلية مسيئة للمرأة بشكل مباشر وللعائلة والمجتمع. ويكفينا ان نراجع مسار حكم الأحزاب الطائفية وتجربة العيش في ظل « فقهاء» الدين، وارتباطهم بساسة الفساد المادي والديني والأخلاقي، خلال الأربعة عشر عاما الاخيرة، حتى نفهم مدى الغضب والذعر الذي يثيره اصدار تشريع يُخولهم اتخاذ قرارات حياتية، مصيرية، تمس حياة وحرية الجميع، وخاصة المرأة، مهما كان لون العمامة سوداء كانت ام بيضاء، فالعقلية المُغَلفة بها أو المستفيدة منها بدون ارتدائها، أخطر وأعمق بكثير من ظاهرها، وهذا ما يستحق النضال ضده من قبل الجميع.
نقلا عن القدس العربي