أحداث الشمال تطرح مصير الوحدة اليمنية...

جمعة, 2014-10-10 00:23
خير الله

عندما يسيطر الحوثيون، أي «انصار الله» على معظم الشمال اليمني، بما في ذلك صنعاء، يصبح مشروعا التساؤل: هل بقي شيء من الوحدة اليمنية؟

حقّق الحوثيون، إلى الآن هدفين. اخرجوا السلفيين والإخوان المسلمين من مناطق سيطرتهم في المحافظات الشمالية وصولا إلى العاصمة. كذلك، فرضوا شروطهم على الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي الذي لم يعد قادرا على تشكيل حكومة، أو القيام بأيّ مناقلات عسكرية أو تعيين موظفين كبار من دون الضوء الأخضر الحوثي.

يمرّ اليمن بمرحلة انتقالية لا تشبه سوى تلك المرحلة التي مرّ فيها الجنوب مع بدء انهيار الاتحاد السوفياتي. تبيّن وقتذاك أن «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية»، لم تكن سوى استثمار سياسي يوفر مكاسب لموسكو في زمن الحرب الباردة.

كانت الوحدة اليمنية، التي وقّعت في الثاني والعشرين من أيّار ـ مايو ١٩٩٠ في عدن، نتيجة طبيعية الانهيار البطيء للإتحاد السوفياتي الذي بدأ مع وصول ميخائيل غورباتشوف إلى السلطة في العام ١٩٨٥ واكتشافه أن ثمّة حاجة إلى تغيير في النظام. تبيّن له مع مرور الوقت أن التغيير في النظام ليس ممكنا وأنّ الحاجة الحقيقية هي إلى تغيير للنظام نفسه.

في مطلع العام ١٩٩٢، انتهى الاتحاد السوفياتي رسميا. الحقيقة أنّه انتهى في التاسع من نوفمبر ـ نوفمبر ١٩٨٩ يوم سقوط جدار برلين مع ما يعنيه ذلك من طي صفحة المنظومة السوفياتية ووجود قطبين عالميين يتنافسان في طول العالم وعرضه، بما في ذلك اليمن.

فهم القائمون على النظام في اليمن الجنوبي أنّ لا مجال لإنقاذ «جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية» التي انتهت عمليا في الثالث عشر من كانون الثاني ـ يناير ١٩٨٦ عندما اصطدم علي ناصر محمد بخصومه ولجأ كلّ من الجانبين إلى الغاء الآخر.

خرج علي ناصر، الذي كان الأمين العام للحزب الحاكم ورئيس الدولة من المعادلة. انتصر خصومه من من دون أن ينتصروا، فكانت النتيجة البحث عن مخرج. كان هذا المخرج الوحدة اليمنية التي انقذت أهل النظام، لكّنها أنهت في الوقت نفسه النظام.

كانت للوحدة فوائد كثيرة. فوائدها لا تحصى. قبل كلّ شيء، تمّت على نحو سلمي. امتلك علي عبدالله صالح ما يكفي من الحكمة والتعقل لتفادي أي مواجهة مع الجنوب عندما كانت الفرصة سانحة لذلك، خصوصا خلال احداث ١٩٨٦. وقتذاك، كان من السهل عليه المغامرة والتدخل في مناطق معيّنة بحجة حماية الشرعية التي كان يمثّلها علي ناصر محمد. لم يفعل ذلك. ترك الجنوب للجنوبيين وصراعاتهم التي أخذت في مرحلة معيّنة طابعا مناطقيا. واذا كان من كلمة يجب أن تقال، فهي أن علي سالم البيض لعب دورا محوريا في تحقيق الوحدة الاندماجية بعدما اصبح الأمين العام للحزب الاشتراكي الحاكم.

في الواقع، انطلقت الوحدة من حيث يجب أن تنطلق. اسست نظريا لنظام قائم على التعددية الحزبية. وكان الدستور الذي أقرّ في استفتاء شعبي معقول نسبيا وذلك على الرغم من العقبات التي سعى إلى وضعها الإخوان المسلمون الذين تلطوا خلف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، زعيم حاشد الذي بقي حتى اللحظة الأخيرة معارضا للوحدة.

انهت الوحدة سنوات طويلة من الصراعات بين الشمال والجنوب. عطّلت هذه الصراعات ـ التي تخلّلتها حروب حقيقية ومحاولات لفرض واقع جديد في الشمال فضلا عن عمليات اغتيال ـ كلّ تحرّك ايجابي. قبل الوحدة، كان الشمال يخشى مزايدات الجنوب، والجنوب مزايدات الشمال.

لم يكن ممكنا ترسيم الحدود، لا مع سلطنة عُمان ولا مع المملكة العربية السعودية، لولا الوحدة. لم يكن ممكنا التصدي لاحتلال اريتريا لجزر يمنية في البحر الأحمر، بينها جزيرة حنيش لولا الوحدة. لم يكن ممكنا الوصول ايضا إلى مرحلة تخطيط الحدود البحرية لليمن.

هذا غيض من فيض ايجابيات الوحدة التي أطلقت الحرّيات العامة، نسبيا، وسمحت لليمن باستيعاب كارثة عودة مئات الآلاف من مواطنيه إلى البلد نتيجة سوء فهم في العمق لموقفه في اثناء الاحتلال العراقي للكويت عام ١٩٩٠.

ليس صحيحا أنّ لا ايجابيات للوحدة، على الرغم من حجم السلبيات. فالوحدة سمحت بوضع الأسس لدولة حديثة كان يمكن أن تستفيد من تجربة الجنوب حيث كانت هناك ادارات تعمل بفعالية وفي ظلّ حد أدنى من الانضباط.

سمحت الوحدة لليمن بتجاوز مصائب كبيرة. يكفي أنّها اوقفت المناوشات المستمرة بين الشمال والجنوب وجعلت اليمنيين يتعوّدون على الوقوف في صفوف طويلة للادلاء باصواتهم.

في المقابل، لا بدّ من الاعتراف أن حجم السلبيات ضخم، خصوصا منذ العام ١٩٩٤ وفشل كلّ محاولات المصالحة مع الحزب الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب والذي كان شريكا في السلطة. تراكمت السلبيات منذ حرب صيف ١٩٩٤. تفوقّت هذه السلبيات على الايجابيات على الرغم من كلّ المحاولات التي بذلها علي عبدالله صالح لإعادة الأمل إلى الجنوبيين وتمضيته اشهراعدة من السنة في عدن.

كانت هناك رغبة لدى جهات عدة، بمن في ذلك الضباط الكبار، الآتين من مناطق معيّنة، في متابعة غزو الجنوب، فيما كان همّ الإخوان المسلمين محصورا في تغيير طبيعة المجتمع وفرض القيود عليه وتهميش الجنوبيين.

في ظلّ الوحدة، وغياب التوازن الذي كان يشكله الحزب الاشتراكي، عمّت الفوضى المصحوبة بالفساد اليمن. صار مسموحا لضابط معيّن الاستيلاء على ارض من من دون حسيب أو رقيب، اكان ذلك في عدن أو حضرموت. في حين لم يجد شماليون كبار عيبا في الاستيلاء على منازل عائدة لشخصيات جنوبية معروفة. على سبيل المثال وليس الحصر هناك من استولى على منزلي البيض وعلي ناصر في عدن...

فشلت معظم محاولات التنمية في عدن، بما في ذلك تطوير الميناء. لم تكن هناك أيّ استثمارات جدّية تساعد في التنمية وايجاد فرص عمل. لم يجد المستثمر الأجنبي مناخا يشجعه على توظيف امواله. كان هناك فقط بعض النجاح في حضرموت.

ترافق كلّ ذلك مع جهود كبيرة بذلها علي عبدالله صالح لإنقاذ ما يمكن انقاذه ومع صعود لـ«القاعدة» التي كشفت كم هي قادرة على الإيذاء لدى اعتدائها على المدمّرة الأميركية «كول» في السنة ٢٠٠٠ خلال رسوّها في ميناء عدن.

لم تكن النيات الحسنة كافية لمواجهة الفساد والفوضى وانتقال سلبيات الشمال إلى الجنوب، خصوصا أنّ السنوات الأخيرة من حكم علي عبدالله صالح تميّزت بستّ حروب مع الحوثيين وبغياب المستشارين الذين يتمتعون بكفاءات، حتى لا نقول اكثر من ذلك.

من يتحمّل مسؤولية ما وصل إليه الوضع اليمني اليوم؟ الجميع مسؤول، لكنّ ما لا يمكن تجاهله أنّ التجمع اليمني للإصلاح، أي تنظيم الإخوان، لم يساعد في أي شكل في البناء على ايجابيات الوحدة. كانت مشاركته في حرب ١٩٩٤ التي وضعت حدا للمحاولة الانفصالية التي قادها علي سالم البيض، مجرد معبر للوصول إلى السلطة والانقلاب بشكل تدريجي على علي عبدالله صالح. فما حدث في اليمن في السنة ٢٠١١ لم يكن «ثورة» بمقدار ما كان انقلابا، خرج منه منتصر واحد، حتى الآن.

هذا المنتصر هو الحوثيون (انصار الله) الذين لا يبدو أنّ هناك حدودا لطموحاتهم التي يعتقدون أنّها ستوصل ايران إلى باب المندب. فالمحافظة على الوحدة ليست همّا لديهم...بل هي آخر همومهم.

كانت للوحدة ايجابيات وكانت سلبيات. تكمن السلبية الكبرى في أنّه لم يبن على الإيجابيات في بلد يعاني حاليا من خطر التشظي ومن مواجهة بين «القاعدة» وبين «انصار الله».

بات النقاش في شأن الوحدة وما لها وما عليها من نوع الترف الذي تجاوزته الأحداث لا أكثر ولا أقلْ، على الرغم من أنّها لا تزال موجودة على الورق.