عزيز مُجاهداً

خميس, 2015-01-15 10:37
أبو العباس إبرهام

لا يخدعني عزيز دقيقة. ليس لأنني خبٌ. بل لأنّ عُدته للخداع واهية: حبالته رديئة وشباكه مترهلِّة ومستواه في الرماية غير مقنع. ومن خدعنا في الله انخدعنا له. ولكن شريطة أن يخدعنا. أما أن نُسلِّمَ عقولنا من الحولة الأولى، كما يفعل عتاة التأييد والتصفيق، فذلك متعذر.

الخدعة الآن هي أن عزيز معادٍ للإمبريالية. وهو نفسه يوحي بهذا. وبما أنه سمكة كبيرة، فقد جرّ معه الأسماك الصغيرة في تياره هذا. وقد طفق هؤلاء يرددون بالأسواق أن الجنرال عزيز هو المهدي الجديد. وبإضافة بعض الملح (والكذب) من أن الجنرال عزيز منع أوروبا البحار وسخر منها في خطاباته ورفض المشاركة في مسيرة باريس وأسطورة أنّه عزّى أسرة الشرطي الفرنسي المسلم وبأنّه يُمرِّرُ مسيرة مضادة لتظاهرة باريس تكتمل الأسطورة. ويجب أن نصوغها الآن، بدون أن نقمع خُبثنا الزاوي، بلغة الجماهيريين: لقد وُلدَ خليفة القذافي.

ولكن: صه: لا تُعرفُ مواقف معادية للامبريالية أصلاً عند المُصفقِّين للجنرال عزيز. وهم عتاة الدفاع عن تدمير الصناعة الوطنية والتعرفة الجمركية لصالح الفتح الرأسمالي للصحراء. وتوجد صور رؤوسهم الجذلة في شوارع نواكشوط 2011 وهي تفتخر بالقروض الأوروبية ببروكسل، بشروط كارثية، للجنرال عزيز، وهم عُتاة ارتفاع المديونية مقابل تسليم السياسة الدفاعية، بما فيها الجيش الموريتاني، لأوروبا. وهم، وإن لم يكونوا مع فتح البحار لأوروبا، إلاّ أنّهم مع تحويلها لمُستعمِرٍ جديد: عروس البحر، الكولونيل باية.

ولا يمتلِكُ الجنرال عزيز حتى خطابة القذافي. فعندما تحرّفَ للمحاججة ضد أوروبا الامبريالية قدّم أكثر خطاب إحراجاً للوطنية في الديبلوماسية الموريتانية الحديثة: فقد بكى من أنّه يحرس المنطقة ويُحارب الإرهاب أكثر من أي نظام آخر في المنطقة، ومع ذلك لا تُدفع له أوروبا الكافي، بينما تدفعه لبقيّة الدول الساحلية. وبكى أن تعهدات أوروبا المالية لم تُصرَف له بعد. كان خطاب مرتزقة الثغور، ولم يكن خطاباً سيادياً. ولم يمكن الاستماع له، حتى من معارضٍ مثلي، بدون تغطية الوجه بالأصابع.

أوروبا هي أوروبا. وكانت وزارة خارجيتها بالنسبة لإفريقيا تُعرف بوزارة المستعمرات. ولا تتغير الأنماط التاريخية بسهولة. وأوروبا تأخذ بالديبلوماسية وبالخداع أكثر مما تأخذه بالدفع والبذل. وهي ترفعُ سقف مطالبها دوماً. وصحيح أن الجنرال عزيز ساهم في مشروع ساركوزي ببناء دولة بشمال مالي وأنفذ الجيش الموريتاني لتحرير المواطن الفرنسي جرمانو. إلاّ أنّه فشل في تأمين الصحراء، عكس ما تقوله تلفزة الجنرال. وإلى اليوم لم يعد رالي باريس/داكار، الذي حوّلته أوروبا إلى أميرا الجنوبية منذ فبراير 2008 في انتظار تأمين النظام الموريتاني للصحراء. أما خدمات طرد الهجرة السرية فتتم في برنامج إسباتي غير سيادي من الجانب الموريتاني، ولكنّه مدفوع الثمن: أي أنّه خدمة لا غير. والمشكلة الأخرى أن أوروبا تريد مديونيّتها التي رفعها الجنرال إلى أربع مليارات، بموافقة وسعادة "أعداء الامبريالية".

هذه حروب اللصوص. أنا هنا في انتظار بطل جدي.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك