في الحتمية التاريخية لـ «ثورة تجديد عربي»

جمعة, 2014-10-10 00:51
خالد الشامي

بينما تتصاعد «هجمة تكفيرية ظلامية» ملقية بظلال ثقيلة على مستقبل العالم الإسلامي، ووجوده ايضا، بفعل تحالف «غير مقدس» بين قوى تطرف ديني وأنظمة رجعية وأبواق إعلامية وفكرية، يبرز سؤال بديهي إنْ كنا نقترب من «ثورة تجديد عربي»، أم اننا تجاوزنا القدرة على التوقف عن هذا الاندفاع الجمعي إلى «هاوية بلا قرار» من التفتت والتقاتل والتناحر الطائفي؟
ليس هناك من سبيل للإجابة عن هذا السؤال دون ملاحظة بعض علامات هذه الهجمة وأسبابها الكامنة، ومن ثم البحث في إمكانية اقتلاع جذورها الثقافية، بدلا من الانشغال في محاربة نتائجها المتكاثرة أمنيا وعسكريا، ومنها:
اولا- بعد نحو مئة عام من صعود الأنبا سرجيوس من الكنيسة الارثوذكسية القبطية منبر الأزهر في غمار ثورة 1919 في مصر، إعلاء لقيم الوحدة الوطنية على التحزب السياسي أو الطائفي، ولجوهر الدين على مظهـــــره، صار جليا ان نشوء أو صعود تيارات ومدارس فكرية أو تطبيقـــية منتسبة إلى الإسلام، كـ «الإسلام السياســـــي» أو «السلفية» بأنواعها، والمذاهب الشيعـــية، قد انتهى إلى حضيض فكري غير مسبوق، فحـــرقت أو دمـــرت سبعون كنيسة في يوم واحد في مصر العام الماضي، وهو ما لم يحدث منذ دخول المســـيحية البلاد قبل نحو الفي عام، كما هجر مئات الآلاف من أبناء الأقليات في العراق، وهم من الذين ساهموا في غرس جذور الحضارة الإنسانية في ذلك الجزء من العالم.
ثانيا – لم تعد «الهجمة التكفيرية» تقتصر على دين أو طائفة محددة، بل ان هذه البيئة المسمومة أصبحت تبعث الصراعات السياسية والثارات القبلية البدوية التاريخية التي اتخذت من الدين ستارا من مراقدها في الصحراء، في محاولة لإعادة تشكيل نتائجها لمصلحة طائفة أو مذهب مهما كلف ذلل من مجازر وتدمير للمدن والحضارات. وهكذا يمكن بسهولة تفسير أغلب الحروب الأهلية في غير بلد عربي على أساس طائفي، فيما نرى ان تنظيمات سنية كـ «داعش» لا يتورع عن تكفير الغالبية العظمى من اتباع الطائفة السنية التي ينتمي إليها. 
كما تصاعدت لهجة التكفير داخل المعسكر الشيعي، وارتفعت أصوات لا تكتفي بإخراج «النواصب» كما يسمون أهل السنة من الملة، بل انهم يكفرون الشيعة من أنصار «الولاية المطلقة للفقيه».
وظهرت تنظيمات شيعية إرهــــابية كـ«خــرسان» الذي اعتبره البعض أكثر خطورة من «داعش»، فيما يصر البعض على انه مجرد «خدعة أمريكية» تمهد الطريق أمام استهداف التحالف الدولي لايران.
ثالثا- تتصاعد خطورة دور المؤسسات الدينية والإعلامية على اختلافها، في دعم هذه الهجمة التكفيرية، بالرغم من ان بعضها سارع إلى إدانة صعودها، ومثال ذلك ان المدارس التابعة للأزهر مازالت تدرس لطلابها، وهؤلاء ينتمون إلى عشرات الجنسيات، كتبا دينية مثل «الاقناع في حل الفاظ أبي شجاع»، التي تبيح ذبح اتباع المذهب الشيعي وتاركي الصلاة، وغير ذلك، وهو ما يمنح شرعية لما يرتكبه «داعش» من جرائم. كما ترفض الكنيسة عزل أحد القساوسة لا يتوانى عن توجيه الإهانات للدين الإسلامي عبر إحدى القنوات الفضائية الأجنبية، ناهيك عن القنوات ووسائل الإعلام المدعومة من بعض الحكومات العربية، التي تتبنى خطابا طائفيا مقززا سواء ضد أهل السنة أو الشيعة. لم يعد غريبا ان نرى «مثقفين مفترضين» يتحولون إلى أبواق للظلاميين، أو للطائفيين، من أجل مصالح ضيقة فيما تجدهم غير مؤمنين بأي دين أصلا، فيما تصر قنوات شيعية على ان كل من لم يلعن عمرا وأبا بكر وعائشة ملعون، وان كل من لم يبك من أجل الحسين كافر، إلى آخره.
رابعا- ان الإسلام السياسي الذي قم نفسه على انه «تعبير عن الإسلام الوسطي المعتدل» ما مكنه من الصعود للحكم في غمار ما عــــرف بـ «ثورات الربيع العربي»، أصـــبح يعاني من خسائر فادحة في شعبيته ومصداقيتــــه، وخاصة بعد الفشل السياسي لتجربة الحكم الإخواني في مصر العام الماضي، وسط اتهامات بان رموزه استغلوا الدين طلبا للدنيا، بل ولم يسلموا من اتهامات بالفساد، كما حدث في مصر وتونس. والمحصلة انه اختفى أو يكاد من الخارطة السياسية العربية، في مقابل توسع مكاسب «داعش وأخواتها» وتحالفاتها التي أصبحت تمتد من طالبان في افغانستان إلى بوكو حرام في نيجيريا.
ولا يمكن لمحصلة هذه العوامل إلا ان تدفع إلى «ثورة تجديد» تعلي قيم الدين وتتسامح فيما دون ذلك، وترفض هذه الخيارات الظالمة للمسلمين بل وللإسلام نفسه. ثورة تعود إلى جذور الإسلام النقية من كل هذا التصارع والتحاقد والتقاتل على سلطة أو مناصب أو إمامة. ثورة تنزع عن كل هؤلاء المتقاتلين السلطة أو القداسة المزيفة التي منحوها لأنفسهم بالتأله على الله، أو احتكار التأويل الحديث باسم الدين بما يخدم مصالحهم الضيقة. ثورة تمنع استغلال الدين ورموزه لترويج أجندات سياسية أو نفاق رئيس أو ملك، كما فعل «شيوخ» زعموا تارة ان «ناقل الوحي جبريل شوهد يصلي مع أنصار محمد مرسي»، ثم «ينشر محبة عبد الفتاح السيسي في الأرض» تارة أخرى، بعد ان بدل «قناعاته السياسية فيما يبدو». ثورة أصبحت «حتمية تاريخية» بعد ان تصاعد الصدام مع العقل إلى ذروته، ووصل المتاجرون بالدين بالناس إلى نهاية الطريق المسدود.