مع خروج تنظيم داعش من سوريا العراق بدأت تتكشف جرائمه أكثر فأكثر، وما قام به بحق شعبي هذين البلدين بشكل يندى له جبين الإنسانية. كان هؤلاء الناس يقتلون جماعات ويدفنون جماعات بشكل لا يقبله عقل ولا دين. لعل التاريخ سيتحدث عن جرائم داعش التي هزت العالم أجمع ولكن الشهود على ذلك هم تلك الجثث لأطفال ونساء ورجال كانوا رهائن سياسات تكفيرية مؤدلجة أميركياً.
جثث اختلفت أسماء أصحابها لكن لم تختلف هوياتها إنهم أبناء الوطن العربي في العراق وسوريا كان أكثرهم سيشكلون الجيل الصاعد لأمتنا ولكن تحولوا إلى الشواهد على تاريخ دموي أرادته لنا واشنطن بأياد إرهابية.
تشكّل المقابر الجماعية التي يتم اكتشافها إحدى الأدلة أو الصور التي تدل على حجم العنف الذي شهدته البلاد العربية بفعل جرثومة أكلت من جسدنا المتهالك على مدار سنوات سبع ولعله أكثر. لقد تم مؤخراً انتشال جثث 115 عسكريا ومدنيا من مقبرة في ريف الرقة شرق سوريا، كان قد أعدمهم تنظيم داعش خلال سيطرته على المنطقة. كما تم اكتشاف عدد كبير من المقابر الجماعية في وسوريا وكذلك العراق، وقد عثرت السلطات العراقية على مقابر جماعية بها 400 جثة، على الأقل، قرب مدينة الحويجة، وكذلك أصدرت قوات الحشد الشعبي بيانا قالت فيه إنها عثرت على مقبرة جماعية تضم رفات 500 معتقل داخل سجن بادوش قرب مدينة الموصل، هذا فضلاً عن بعض التقارير التي أفادت عن اكتشاف مقبرتين جماعيتين تضم إحداهما في الموصل ما يقارب من 3000 جثة وأخرى في الأنبار نحو 2500 جثة بشكل يبين مدى الإجرام الداعشي.
هذه المقابر التي تدلل على الجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش، فضلاً عن أنها تشير إلى مدى العنف والإجرام الدموي الذي يحمله التنظيم في فكر ومعتقده وسياساته، فإنها تدل أيضاً على التخطيط الذي كان يحصل وبدعم أميركي لتغيير ديموغرافية المناطق العراقية والتي تعتبر أحد أبرز أسباب ارتفاع نسبة هذه المقابر الجماعية، إذ كانت تمثل عامل رعب للسكان الذين تُكتشف بالقرب منهم واحدة من تلك المقابر فيبتعدون قسراً عن مناطقهم للحفاظ على حياتهم، وهذه من أخطر مرتكزات جرائم الحرب.
تعريف جرائم الإبادة وضد الانسانية
وتعرف المادة 6 من نظام المحكمة الجنائية الدولية «الإبادة الجماعية»، بأنها أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، إهلاكاً كلياً أو جزئياً: قتل أفراد الجماعة، إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً...
أما جرائم ضد الإنسانية فتعرفها المــادة (7) من نظام المحكمة، بأنها «تحصل متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم: القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي، التعذيب، اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة 3، أو لأسباب أخرى من المسلم عالمياً بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة..».
وقد أشير إلى هذه الجرائم، أيضاً في جرائم الحرب، ولفتت اليها المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة، موضحةً أنها عبارة عن المخالفات الجسيمة التي تقترف ضد اشخاص محميين او ممتلكات محمية بالاتفاقية: القتل العمد، والتعذيب او المعاملة اللاإنسانية...
بين هذه الجرائم والغرب تنظير لا ينتهي
كل هذه الأعمال ترتقي إلى جرائم حرب وضد الإنسانية، وقد حذرت الأمم المتحدة من هذه الجرائم التي ارتُكبت على يد التنظيم. وتحدثت الأمم المتحدة، في تقرير سابق لها، عن اكتشاف عدد من المقابر الجماعية، من ضمنها مقابر في مناطق استرجعتها الحكومة في العراق من سيطرة «داعش». ونقل التقرير عن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، يان كوبيش، قوله: «هذه الآفة ما فتئت تقتل وتشوّه وتهجّر المدنيين العراقيين بالآلاف وتتسبب بمعاناة غير مسبوقة»، في السابق أيضاً كشفت منظمة «الحملة الشعبية الوطنية لإدراج تفجيرات العراق على لائحة جرائم الإبادة الجماعية» عن قيام «داعش» بارتكاب جرائم ابادة جماعية وجرائم ضد الانسانية اثر اقتحامها لمدينتي الموصل، مشيرةً إلى قيام «هذا التنظيم بتنفيذ اعدامات ميدانية مباشرة».
وقد تحدثت تقارير دولية كثيرة عن مقتل كثيرين جراء أعمال العنف والارهاب، وفي تقرير وعنوانه «تطهير عرقي بمقاييس تاريخية»، اكدت منظمة العفو الدولية ان لديها «ادلة» على حصول العديد من «المجازر الجماعية»، لكن هل تحرك الغرب؟
لقد أتى اكتشاف المقابر الجماعية لتظهر هذه الجرائم إلى العلن، وقد عاين كل العالم الأعمال التي ارتكبها التنظيم، ورأى كل العالم من الذي كان جدياً في محاربة هذه الجرثومة الخبيثة وقضى عليها، إلا الولايات المتحدة الأميركية التي بات العالم يصرح علناً كما صرح مسؤوليها فإنها الصانع والداعم الأول لهذا التنظيم، وهي لا زالت حتى الآن تعمل في سوريا والعراق على جمع متناقضاته وتبحث على لم شمله وتسحب قادته وعناصر الأمن الذين يعملون لديها عبر طائراتها دون مواربة وبشكل علني في وضح النهار، ولا يهتز له جفن من كل ما قام به داعش وأمام كل هذه الجثث لقتل أبرياء كان ذنبهم تقاطع مصالح الولايات المتحدة الأميركية مع التكفيريين.