قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "ونستون تشرشل" : "إنّ الديمقراطيّة هي أسوأ نظام حكم باستثناء الأنظمة الأخرى" ! وفي مقولته هذه ما يكفي للتنبيه على أنّها ليست نظاما كليّا وكاملا، بل لها سَوءات وعُيوب. ويخطر ببالي أحيانا أنْ أقارنَ عمليّة الانتخابات التي هي لبّ الديمقراطيّة مع عملية "الصيد البحري" لكثرة أوجه الشّبه بين قنص المنتَخَبين وقنص الأسماك في أعماق البحر.
إنّ للإنتخابات مواسم ودوريّات ونصوصا منظِّمة مثلما للصّيد البحري مواسم وقوانين وآجال. وإذا كانت الانتخابات مفتوحة لكل مواطن بالغ، فالصيد مفتوح لكلّ مواطن بالغ. وإذا كانت الانتخابات تعدّ سببا من أسباب الزرق والارتزاق، فإنّ الله تبارك وتعالى "سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا". وإذا كان الناخبُ يخرجُ من بيته ويرمي "صَوتَه" في جَوف صندوق الاقتراع، ثمّ يقف في الشارع لمدّة ساعات وينتظر صبّ الصناديق ليعرف محصوله؛ فإنّ الصياد يخرج من بيته ويَرمي شبكته في عُمق البحر، ثمّ يقف على الشاطئ أو على متْن قاربه لمدّة ساعات وينتظر صبّ شبكته ليعرف محصوله. وقد تكون نتيجته طيّبة وثمينة، وقد تكون على العكس من ذلك؛ كما أنّ نتيجة الناخب قد تكون جيّدة ولصالحه، وقد تكون عكس ذلك. وهكذا، فإنّ شبكة الصياد قد تأتي بسمك سمين ورفيع، وقد تأتي بسمك تَفِه ورديء، وقد لا تأتي بشيء، فيُعيد الكرّة ويرمي مرّة ثانيّة؛ وكذلك صناديق الاقتراع قد تأتي بمسؤول كفء وممتاز، وقد تأتي بمسؤول ساقط وغبي، وقد لا تأتي بشيء ويُعاد الشّوط.
ما جعلني أكتب هذه الخاطرة عن عيوب الديمقراطيّة هو التفكُّر فيما يحدث في الولايات المتحدة الآمريكيّة حالا. إنّ أقلّ ما يمكنُ قَوله في موضوع "دولاند اترَمب" هو أنّه كشف للعالم عن مساوئ الديمراطيّة وإخفاقها كنظام حكم لا بديل عنه ؟! كيف لا، وهذه الولايات المتحدة الآمريكيّة على جلالة قدرها منشَغِلة بنفسها في نفسها؛ همُّها الأكبر : معرِفةُ ما إذا كان رئيسها المنتخب ديمقراطيّا "سليم العقل" أم لا؟! أعتقد أنّ العالم المادّي بلغ مستوى من "الآليّة" والتقدم التقني والتكنولوحي حوّل الإنسان من "كيّان" فاعل، يفكّر ويختار إلى مفعول به وآلة أو بضاعة من البضائع،،، لا أستبعد أن يبادر العلماء والمفكرون بالبحث من الآن فصاعدا عن أنجع وأفضل نظام حكم جديد يكمّل ويصحّح نقائص النظام الديمقراطي لمواجهة أضرار العَولمة والمال والاعلام والسرعة، إلخ،،،
نقلا عن صفحة الكاتب