تحظى المرأة في مجتمعنا الشنقيطي بتقدير واحترام ودلال قل لها نظير في المجتمعات العربية أو الإفريقية.
ولكن هذه الطريقة الشنقيطية في التعامل مع النساء -- بغض النظر عن الموقف منها- لم تترتب عليها النتيجة المتوقعة منها وهي أن تشارك النساء في مراكز القيادة والتأثير في المجتمع الشنقيطي ، وهنا تكمن المفارقة إن لم نقل التناقض بين النموذج والواقع ، بين المعيار والتطبيق.
وهي مفارقة دفعتني إلى كتابة بحث وأنا لا أزال يومها طالبا مجدا تحت عنوان " صورة المرأة في الثقافة الشنقيطية"
حاولت من خلاله تقديم صورة
شمولية للمرأة من خلال تلك الثقافة منطلقا من الجزء نحو الكل ومن الإستقراء نحو الإستنباط
وقد قلت في مجال السياسة :
" الموريتاني كائن يهتم بشأن جماعته سواء كانت تلك الجماعة أفريگ أو قبيلة أو إمارة....فهل كانت إدارة الشأن العام حكرا على الرجال ؟ وأين يوجد موقع المرأة في مجال السياسة حسب ثقافتنا الشنقيطية؟
لا نجد الجواب في الفقه السياسي ولا في علم الكلام المتداولين عندنا وإن وجدناه فهو لا يختلف عن التراث الفقهي الكلامي للأمة الإسلامية ككل وبالتالي فإننا سنبحث عن هذا الجواب في الميثيولوجيا والحكايات الشعبية وهي مصادر تخبرنا فعلا أن المرأة قد مارست السلطة السياسية في مجتمعنا من خلال إحدى قبائلنا متبوئة بذلك أعلى مناصب القيادة وهو منصب الملك .
ولا تكلف تلك الحكايات نفسها مشقة التمييز بين التاريخ والأسطورة بين الواقع والخيال لأنه بالنسبة للوعي الشعبي العامي لا يوجد فرق كبير بين هذه المستويات ، وليست هنالك حدود فاصلة بينها .
وبالتالي فإن القاعدة العريضة من مجتمعنا
تستهلك هذه الحكايات باعتبارها تسرد وتحكي واقعا تاريخيا وجد في زمن من أزمنة " البدايات"
ففي قبيلة موريتانية تختلف الحكايات في تسميتها ، كل جهة تنسبها إلى الجهات الأخرى سيطرت ملكة تسمى " تيبة" على مقاليد السلطة طيلة تاريخ هذه القبيلة التي لا تاريخ لها.
ومن أجل معرفة طبيعة السلطة السياسية في هذه القبيلة وبالتالي معرفة طبيعة الحكم السياسي الوحيد الذي سيطرت على مقاليده النساء في مجتمعنا سنعمد إلى تحليل مضامين بعض هذه الحكايات من أجل الوصول إلى هدفنا ذلك.
وهنا نبادر إلى تسجيل ملاحظة أولى وهي أن هذه الحكايات لا تدور حول محور سردي واحد ولا تجمعها فكرة مركزية جامعة بل إنما يجمعها هو الشخصية الرئيسية ألا وهي شخصية الملكة " تيبة"
فهي إذن مجموعة من الحكايات القصيرة التي تتناول شتى الموضوعات وبعبارة أخرى إنها تتناول مجموعة من التساؤلات والإشكاليات التي ينبغي أن تقدم لها الحلول من طرف الملكة " تيبة" التي تجمع بين يديها كافة السلطات.
ولن نقوم بسرد هذه الحكايات وإنما سنحاول توضيح الهاجس الضمني الذي يؤطر توجهها العام."
وبعد تحليل تلك الحكايات خرجت بعدة ملاحظات من أهمها
1- أن أفراد القبيلة التي تحكمها الملكة " تيبة" لايفكرون كما يفكر العقلاء عادة فهم لا يستخدمون ٱليات : الإستقراء ، الإستنتاج ، إدراك التشابهات ، إدراك الإختلافات ...وبالتالي فإنهم يخرجون عن نظامنا العقلي الذي به نفكر
وبالتالي فإن المرأة لا يمكن أن تقود حسب ما يفهم من هذه الحكايات إلا مجتمعا من أمثال هؤلاء أي مجتمعا من غير العقلاء.
2أن حكايات " تيبة" تقدم دائما في شكل ساخر يثير الضخك لإخفاء غرضها الحقيقي .
3-- أن هذه الحكايات ترفض أن ننظر إلى مسألة حكم المرأة أو مشاركتها في السياسة بشكل جدي ولذلك تقدمه في قصص " تيبة" كأن القيادة السياسية للمرأة أمر يثير الضحك وليس إشكالا فكريا يحتاج التنظير أو حقا سياسيا يستحق المطالبة.
4_ أن الجدات والأمهات هن اللاتي يتولين سرد ورواية هذه الحكايات ونقلها إلى الأبناء والبنات في الظاهر لغرض السمر والتسلية و في الباطن لغرس النظرة الدونية إلى المرأة في نفوس الناشئة من طرف المرأة ذاتها
-- و بالمناسبة فإن حكايات تيبة أصبحت جزء من برنامج الفلسفة للخوامس العلمية والرياضية في المحور الأول بوصفها جزء من درس الأساطير والخرافات
وحسنا فعلوا
....
نقلا عن صفحة الكاتب